وأما العقل (١) : فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف
______________________________________________________
وخلاصة البحث : أن الإجماع التقديري والمعلق غير مفيد ، والإجماع المنجز والمحصل غير ثابت ؛ إذ الفرض في الأول : عدم تحقق الإجماع. وفي الثاني : عدم حجيته.
والمتحصل : أنه لو قال المستدل : أجمع العلماء على أن الأصل في الأحكام التي لم تصل إلينا لا بنفسها ولا بطريقها ـ كالأمر بالاحتياط ـ هو البراءة ، فالكبرى مسلمة ؛ ولكن الصغرى غير محققة عند الجميع ، أعني : الأخباريين ، فهم يدعون أن الأحكام المجهولة واصلة إلينا بطريقها ، أعني : الروايات الدالة على الاحتياط والتوقف.
ولو قال المستدل : أجمع العلماء على أن الأصل في الأحكام الواقعية المجهولة بنفسها هو البراءة أو الإباحة والترخيص ، فالصغرى محققة لأن هناك أحكاما واقعية غير واصلة ؛ ولكن الكبرى غير مسلمة ؛ لمخالفة الأخباريين في ذلك بأن الأصل في ذاك المقام هو الاحتياط.
رأي المصنف «قدسسره» : هو عدم صحة الاستدلال بالإجماع على البراءة.
الاستدلال بالعقل على البراءة
(١) بعد أن فرغ المصنف من الاستدلال على البراءة بالنقل كتابا وسنة وإجماعا ، شرع في الاستدلال عليها بالعقل.
وتحقيق الحال في الاستدلال بالعقل على البراءة يقتضي التكلم في جهتين :
الجهة الأولى : في تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان في نفسها أولا. وتقريب الاستدلال بها على البراءة بعد فرض تماميتها ثانيا.
الجهة الثانية : في ملاحظتها مع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.
وأما الجهة الأولى : فلا شك في تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان على القول بالتحسين والتقبيح العقليين كما عليه العدلية.
وأما على قول الأشاعرة الذين لا يقولون بهما : فلا تتم هذه القاعدة ؛ إذ لا قبح حتى يحكم به العقل. فهي تامة في نفسها على ما هو الحق من مذهب العدلية.
وأما تقريب الاستدلال بهذه القاعدة على البراءة فيتوقف على مقدمة ، وهي : أن المراد من البيان الذي يكون عدمه موضوعا لحكم العقل بقبح العقاب ليس هو البيان الواصل بنفسه ؛ بل هو البيان الذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه ، فإن مجرد عدم البيان الواصل بنفسه مع احتمال وجود البيان الذي لو تفحص عنه لظفر عليه مما لا يكفي في