ولا يخفى : أنه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته ، فلا
______________________________________________________
والتحقيق في الجواب عن الإشكال يقتضي التكلم في مقامين :
المقام الأول : هو تقريب الإشكال.
المقام الثاني : توضيح الجواب.
وأما المقام الأول : ـ أعني : تقريب الإشكال فيتوقف على مقدمة وهي : أن في المقام قاعدتين عقليتين :
الأولى : هي قبح العقاب بلا بيان.
الثانية : هي وجوب دفع الضرر المحتمل.
والقاعدة الأولى : وإن كانت من المستقلات العقلية كما تقدم ؛ إلا إن المقام ـ وهو الشبهة بعد الفحص ـ يكون صغرى للقاعدة الثانية ، وذلك لوجود احتمال الضرر الناشئ عن احتمال الحرمة.
فالقاعدة الثانية : ـ وهي وجوب دفع الضرر المحتمل ـ تصلح للبيانية ، لأن المراد بالبيان الرافع لموضوع القاعدة الأولى ليس خصوص الطريق الشرعي على الواقع كخبر الواحد ؛ بل المراد به كان كل ما يكون صالحا لتنجيز الخطاب ، ورافعا لقبح المؤاخذة على مخالفة التكليف أعم من الواقعي والظاهري والشرعي والعقلي ، وبهذا المعنى العام تكون القاعدة وجوب الدفع بيانا يرتفع به موضوع قاعدة القبح.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل تكفي أن تكون بيانا لوجوب الاحتياط في محتمل الحرمة ، فتسقط قاعدة قبح العقاب بلا بيان بارتفاع موضوعها ، فلا يمكن الاستدلال بها على البراءة. هذا تمام الكلام في المقام الأول ، أعني : تقريب الإشكال.
وأما المقام الثاني : ـ وهو توضيح الجواب ـ فيتوقف أيضا على مقدمة وهي : أن الضرر المحتمل الذي يجب دفعه بحكم العقل إما أن يراد به الضرر الأخروي أعني : العقاب ، أو الضرر الدنيوي.
إذا عرفت هذه المقدمة القصيرة فاعلم : أن قاعدة وجوب الدفع غير ثابتة في المقام ؛ إذ هي مركبة من صغرى وهي احتمال الضرر ـ وكبرى وهي وجوب دفع الضرر المحتمل ، فإذا كان المراد من الضرر المحتمل الضرر الأخروي : فلا صغرى لها ، وإذا كان المراد منه الضرر الدنيوي : فلا كبرى لها ؛ لأن الضرر الأخروي معلوم الانتفاء بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان. هذا معنى انتفاء الصغرى.