لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ، لوضوح : أن المصالح والمفاسد والتي تكون مناطات الأحكام (١) ، وقد استقل العقل بحسن الأفعال التي تكون ذات المصالح ، وقبح ما كان ذات المفاسد ليست (٢) براجعة إلى المنافع والمضار ، وكثيرا ما يكون (٣) محتمل التكليف مأمون الضرر.
______________________________________________________
قاعدة وجوب الدفع حتى يجب الاجتناب عن كل محتمل الحرمة.
قوله : «لوضوح ...» الخ تعليل لقوله : «لا يلازم احتمال المضرة».
(١) يعني : بناء على مذهب العدلية القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
(٢) خبر «أن المصالح» يعني : أن المصالح والمفاسد الكامنة في أفعال المكلفين ليستا دائما من المنافع والمضار القائمة بالأفعال حتى يجب امتثال محتمل التكليف استيفاء للمنفعة أو دفعا للضرر ؛ بل قد تكون منها وقد لا تكون ، وذلك لأن المصلحة عبارة عن خصوصيات موجودة في الأشياء تحسنها وتوجب محبوبيتها تكوينا أو تشريعا ، والمفسدة عبارة عن خصوصيات موجودة في الأشياء تقبحها ، وتوجب كراهتها تكوينا أو تشريعا ، والنفع ما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه والوصول إلى المطلوب خير ، فالنفع هو الخير والضرر ضده ، والنسبة بين المصلحة والمنفعة عموم من وجه ؛ لاجتماعهما في الصوم النافع للبدن ، وافتراق المصلحة عن المنفعة في أداء الزكاة والخمس مثلا ؛ إذ فيه المصلحة دون المنفعة ، وافتراق المنفعة عن المصلحة في الربا مثلا إذ فيه المنفعة دون المصلحة.
وكذا بين المفسدة والضرر ؛ لاجتماعهما في شرب المسكر المضر بالبدن وافتراق المفسدة عن الضرر في غصب المال أو الحق ؛ إذ فيه المفسدة دون الضرر وافتراق الضرر عن المفسدة في دفع مثل الزكاة والخمس ؛ إذ فيه الضرر دون المفسدة كما هو واضح.
وبالجملة : فاحتمال التكليف التحريمي وإن كان ملازما لاحتمال المفسدة ؛ لكنه لا يلازم احتمال الضرر حتى يكون موردا لقاعدة وجوب الدفع ويجب الاجتناب عنه ؛ بل كثيرا ما يكون محتمل الحرمة مأمون الضرر.
(٣) غرضه : تثبيت ما تقدم من أن احتمال التكليف التحريمي لا يلازم احتمال الضرر حتى يكون من موارد القاعدة ، يعني : أن هناك موارد كثيرة جدا يحتمل فيها التكليف التحريمي ، مع العلم بانتفاء الضرر الدنيوي ؛ بل قد يعلم بالحرمة ويعلم بعدم الضرر كما في كثير من المحرمات كالزنا والنظر إلى الأجنبية ـ بناء على عدم كون الحد والتعزير ضررا دنيويا ـ
وكيف كان ؛ فمع العلم بعدم الضرر حتى مع العلم بالحرمة في كثير من الموارد كيف