كيف (١)؟ وقد أذن الشارع بالإقدام عليه ، ولا يكاد يأذن بارتكاب القبيح ، فتأمل (٢).
______________________________________________________
(١) يعني : كيف يكون الإقدام على محتمل المفسدة قبيحا؟ والحال أن الشارع قد أذن في الإقدام عليه ، مع قضاء الضرورة بامتناع صدور الإذن في ارتكاب القبيح منه.
(٢) لعله إشارة إلى أن إذن الشارع في ارتكاب محتمل المفسدة لا يكون شاهدا على عدم قبحه ارتكابه ؛ إذ من الممكن إذنه في ارتكاب محتمل المفسدة مع بقائه على قبحه ، غاية الأمر : أن إذنه فيه سبب لتدارك قبحه ولو بالمصلحة التسهيلية ، أو كاشف عن وجود المزاحم الأهم أو المساوي ، أو إشارة إلى تفريق العقلاء بين المفاسد المحتملة ، ففي بعضها لا يجيزونها ولا يقدمون عليها ؛ لأن المفسدة المحتملة كبيرة. هذا بخلاف المفاسد الجزئية.
أو إشارة إلى : أن التخلص بإذن الشارع في الشبهة الموضوعية عن قبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته يخرجنا عن التمسك بالدليل العقلي على البراءة ، ويحوجنا في الجواب عن تلك القاعدة إلى الترخيص الشرعي.
هذا تمام الكلام في الأدلة الأربعة التي أقيمت على جريان البراءة في الشبهة البدوية ـ وجوبية كانت أم تحريمية ، موضوعية أم حكمية ـ من غير فرق في الشبهة الحكمية بين كون سبب الشبهة إجمال النص أو فقدانه أو تعارض النصين ، كل ذلك لإطلاق أدلة البراءة.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور تالية :
١ ـ تقريب الاستدلال العقلي على البراءة يتوقف على مقدمة وهي :
أولا : أن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان إنما يكون دليلا على البراءة ، بناء على ما هو مذهب العدلية من القول بالحسن والقبح العقليين.
وأما بناء على قول الأشاعرة الذين لا يقولون بهما : فلا يكون دليلا على البراءة ؛ إذ لا قبح حتى يحكم به العقل.
وثانيا : بأن يكون المراد من البيان الذي يكون عدمه موضوعا لحكم العقل بقبح العقاب هو البيان الواصل إلى المكلف ؛ لا البيان الواقعي.
إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك : حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف بعد فحصه موارد وجود التكليف ، وعدم وجدانه دليلا عليه ، فيكون حينئذ