علم أنه إناؤه في عدم لزوم الاجتناب إلا عن خصوصه دون الآخر ، ولو لا ذلك (١) لما كان يجدي القول بأن قضية اعتبار الأمارات هو كون المؤديات أحكاما شرعية فعلية ، ضرورة (٢) : أنها تكون كذلك بسبب حادث ، وهو كونها مؤديات الأمارات
______________________________________________________
«أنه» الثاني راجع على الإناء الذي قامت البينة على أنه إناء زيد ، وضمير «إناؤه» في الموضعين راجع على زيد وضمير «خصوصه» راجع على «إناء زيد». يعني : لا شك في أن قيام البينة على أن هذا الإناء المعين هو إناء زيد كالعلم بأنه إناء زيد في لزوم الاجتناب عنه بخصوصه.
(١) يعني : لو لا ما ذكرناه من أن قيام الأمارات والطرق بناء على اعتبارها بنحو الطريقية يكون بحكم الانحلال ؛ لم يكن قيامها ـ بناء على اعتبارها بنحو السببية ـ مجديا في تحقق الانحلال الحقيقي ، فكأنه قال : لو لم يثبت الانحلال الحكمي بناء على الطريقية لم يثبت الانحلال الحقيقي بناء على السببية أيضا.
وغرضه من هذا الكلام : أنه لا بد عند قيام الأمارات والطرق على بعض الأطراف ـ بناء على الطريقية في اعتبارها ـ من الالتزام بالانحلال الحكمي ، وبصرف التنجز إلى ما قام الطريق التعبدي عليه ؛ إذا لو لم نلتزم بذلك ـ بناء على اعتبارها بنحو الطريقية ـ لم يكن قيامها على بعض الأطراف بناء على اعتبارها بنحو السببية أيضا مجديا في تحقق الانحلال الحقيقي الذي اعترف المستشكل بتحققه على مبنى السببية.
فالنتيجة : أنه لو لا الانحلال الحكمي ـ عند قيام الأمارة بنحو الطريقية ـ لم يتحقق الانحلال عند قيامها أصلا ، سواء قلنا باعتبارها بنحو السببية أم بنحو الطريقية. أما على الطريقية : فواضح ؛ لاحتمال خطأ الأمارة ، فلا يتحقق الانحلال. وأما على السببية : فلأن مقتضاها حينئذ وإن كان جعل مؤدياتها أحكاما فعلية ؛ إلا إن صيرورتها كذلك إنما هي بسبب حادث وهو قيام الطريق الموجب لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى توجب تشريع حكم على طبقها ، وهذا السبب ـ لمكان تأخره زمانا عن العلم الإجمالي ـ لا يقتضي انحلاله لا حقيقة ولا حكما ؛ لأنه حادث آخر غير المعلوم بالإجمال ، فاللازم على هذا : رعاية الاحتياط في جميع الأطراف كما بنى عليه المحدثون وقد تقدم في «إن قلت» الأول ما يوضح وجه عدم الانحلال بأكثر من هذا.
(٢) تعليل لقوله : «لما كان يجدي» ، وضمير «أنها» راجع على «المؤديات».
وقوله : «كذلك» يعني : أحكاما شرعية فعلية ، وقد عرفت وجه عدم الإجداء في الانحلال بقولنا : «وأما على السببية فلأن مقتضاها حينئذ وإن كان ...» الخ.