الأول (١) : إنه إنما تجري أصالة البراءة شرعا وعقلا فيما لم يكن هناك أصل
______________________________________________________
في تنبيهات البراءة
(١) الغرض من عقد الأمر الأول : هو بيان شرط من شروط جريان أصالة البراءة وهو عدم وجود أصل موضوعي حاكم أو وارد عليها ، فأصل البراءة إنما يجري فيما إذا لم يكن أصل موضوعي في مورده ؛ لأن الأصل الجاري في الموضوع يتقدم على الأصل الجاري في الحكم بالحكومة كما يقول الشيخ به أو بالورود ، كما هو مختار المصنف.
وتوضيح ما هو المراد من الأصل الموضوعي يتوقف على مقدمة وهي : أن الأصل الموضوعي وإن كان يطلق بحسب الاصطلاح على الأصل الجاري في الموضوع لإحراز حكمه ؛ كاستصحاب خمرية مائع شك في انقلابه خلا فإنه رافع لموضوع أصالة الحل فيه ؛ إلا أن المراد منه في المقام ليس ما هو المصطلح ؛ بل هو مطلق الأصل الذي يكون رافعا لموضوع الأصل الآخر ، سواء كان جاريا في الموضوع كالمثال المذكور ، أو في الحكم كاستصحاب حرمة الوطء عند الشك في جوازه بعد حصول النقاء ، وقبل اغتسال المرأة عن الحيض. فاستصحاب حرمة الوطء مقدم على أصالة الإباحة الحكمية من باب الحكومة أو الورود ؛ لأن الحكم بالحلية عند الشك فيها وفي الحرمة إنما يصدق إذا لم يرد من الشارع تعبد بأحد طرفي الشك ، ومعه لا شك في الحرمة الظاهرية.
وبعبارة واضحة : أن الشك في حلية الوطء وحرمته ناش عن الشك في بقاء الحرمة السابقة وعدمه ، فمع الأمر بالبقاء والنهي عن النقض لا شك في الحكم حتى يتمسك بأصالة الحلية.
وكيف كان ؛ فإن موضوع أصل البراءة عقلا هو عدم البيان ، والأصل الموضوعي بيان يرتفع به موضوع أصل البراءة عقلا وموضوع أصل البراءة شرعا هو الشك قد يرتفع تعبدا بالأصل ، فيكون الأصل السببي من مصاديق الأصل الموضوعي ؛ لأنه حاكم على الأصل المسببي.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن ما أفاده المصنف من أن جريان أصالة البراءة مشروط بعدم وجود أصل موضوعي كالبراءة في شرب التتن مثلا حيث لا يكون في موردها أصل موضوعي ، وإلا فالأصل الموضوعي يكون بيانا عقلا وحجة شرعا ، فيكون رافعا للشك ولو تعبدا ، فيتقدم على أصالة البراءة بالحكومة أو الورود على خلاف ، من دون فرق بين أن تكون الشبهة حكمية كاستصحاب حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال ، فيما إذا شك في جواز الوطء ، أو تكون الشبهة موضوعية