إذا احتاط وأتى أو ترك (١) بداعي احتمال الأمر أو النهي.
وربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب
______________________________________________________
أولى من استحقاق العقاب على ترك الاحتياط اللازم ؛ لأن الأمر في جانب الثواب أوسع منه في جانب العقاب ، ولذا لا يعاقب إلا بالاستحقاق ، ولكن ربما يثاب بدونه تفضلا.
(١) يعني : أتى بداعي احتمال الأمر ، أو ترك بداعي احتمال النهي. ومن المعلوم : أن الإتيان يكون في الشبهة الوجوبية والترك في الشبهة التحريمية. هذا تمام الكلام في بيان هذين الأمرين قبل بيان الإشكال والجواب عنه ، والمقصود الأصلي من عقد هذا التنبيه هو : بيان الإشكال والجواب عنه ، وقد أشار إلى الإشكال بقوله : «وربما يشكل في جريان الاحتياط ...» الخ.
وتوضيح الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : بيان أمور ثلاثة :
الأول : أن العبادة تتوقف على قصد القربة ؛ بحيث تكون من القيود المعتبرة في متعلق الأمر كسائر ما له دخل فيه من الأجزاء والشرائط ؛ بل يكون قصد القربة مقوما لعبادية العبادة ، وهو الفارق بين الواجب التوصلي والتعبدي ؛ لسقوط أمر الأول بإتيانه كيفما اتفق بخلاف الثاني.
الثاني : أن قصد القربة عبارة عن قصد الأمر دون غيره مما يوجب القرب إليه جل وعلا.
الثالث : أن الأمر الذي يعتبر قصد التقرب به هو الأمر المعلوم ، فلا يجدي وجود الأمر واقعا في تحقق القصد المزبور ؛ بل لا بد من العلم به إما تفصيلا كقصد الأمر المتعلق بالصلاة المعلوم تفصيلا جميع أجزائها وشرائطها ، وإما إجمالا كقصد الأمر المتعلق بإحدى الصلوات الأربع مثلا عند اشتباه القبلة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الاحتياط ـ كما قيل ـ هو الأخذ بالأوثق والإتيان بكل فعل أو ترك يحرز به الواقع ، ولما كانت عبادية العبادة متقومة بالإتيان بجميع الشرائط والأجزاء عن داع قربيّ كما عرفت ، فالاحتياط عبارة عن الإتيان بالعمل العبادي بجميع ما له دخل فيه ومنه قصد الأمر ، فإذا شك في تعلق الأمر بعمل من جهة دوران ذلك العمل بين أن يكون واجبا غير مستحب لم يكن الإتيان به من الاحتياط في العبادة أصلا ؛ لعدم إحراز تعلق الأمر بذلك العمل ، وعليه : فعنوان الاحتياط في العبادة حينئذ غير ممكن التحقق ؛ إذ لا علم بأمر الشارع لا تفصلا ولا إجمالا ومعه لا يتمشى منه قصد القربة. هذا تمام الكلام في توضيح الإشكال في الاحتياط في العبادة.