ولا يذهب عليك (١) أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين (٢) ، ...
______________________________________________________
في المقام ، وهو دوران الأمر بين المحذورين ، يعني : لا وجه لتخصيص مورد الوجوه الخمسة بالتوصليين. والمراد ببعض الوجوه هو : الأول والخامس ، وضمير «بهما» راجع على التوصليين ، فلا يجري بعض الوجوه في التعبديين ؛ لوجود المانع وهو المخالفة العملية.
(١) مقصود المصنف من هذا الكلام هو : بيان أن ما تقدم من التخيير العقلي في هذا البحث ليس مطلقا وفي جميع الموارد ؛ بل مقيد بما إذا لم يكن ـ ولو احتمالا ـ مزية لأحد الاحتمالين ترجحه على الآخر ، ومعها لا استقلال للعقل بالتخيير ، فهنا بحثان أحدهما : كبروي ، وهو عدم استقلال العقل بالحكم بالتخيير فيما إذا كان لأحد الاحتمالين مزية على الآخر ، بل يستقل بتعينه ـ وقوله : «أن استقلال العقل بالتخيير» إشارة إلى هذا البحث الكبروي. والآخر صغروي ، وهو بيان ما هو المناط في المزية التي يوجب وجودها ـ ولو احتمالا ـ عدم استقلال العقل بالحكم بالتخيير.
أما الأول : فملخص ما أفاده فيه هو : عدم استقلال العقل بالتخيير مع وجود رجحان أو احتماله في الفعل أو الترك يقتضي أهميته من الآخر ، فإن احتمال الأهمية أيضا يوجب حكم العقل بتقديم واجد هذه الأهمية المحتملة على فاقدها ؛ لكونه حينئذ : من صغريات التعيين والتخيير ؛ كحكمه بتعين تقليد الأفضل لحجية قوله تعيينا أو تخييرا ، والشك في حجية قول غير الأفضل عند المخالفة ، وكحكمه بلزوم إنقاذ الغريق المتوقف على التصرف في مال الغير بدون إذنه ؛ لأهمية وجوب حفظ النفس من حرمة الغصب ، وهكذا.
وبالجملة : فحكم العقل بتقديم الأهم معلوما أو محتملا مما لا ينبغي الارتياب فيه.
والذي يظهر من العبارة : أن المصنف قاس دوران الأمر بين المحذورين ـ في تقديم محتمل الأهمية أو معلومها ـ تارة : بدوران الأمر بين التعيين والتخيير ؛ كما في مسألة تقليد الأفضل ، وأخرى : بتزاحم الواجبين كما في إنقاذ أحد الغريقين المحتمل أهميته ، وسننبه على عبارته التي يستفاد منها هذان القياسان ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٦١٠».
(٢) قيد ل «أحدهما» يعني : في أحدهما المعين. ووجه التقييد به واضح ؛ إذ لا عبرة باحتمال الترجيح في أحدهما لا على التعيين ، فإن العقل يستقل بالتخيير فيه ، كما يستقل به فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما أصلا كما تقدم توضيحه.