المصلحة ، ضرورة (١) : أنه ربّ واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام ، فكيف يقدم على احتماله (٢) في صورة الدوران بين مثليهما (٣)؟ فافهم.
______________________________________________________
عليه بوجوه ، وقد أشار المصنف هنا إلى الوجه الثالث في تلك الوجوه ، وهو : أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. ثم أجاب المصنف عنه بقوله : «ضرورة : أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام».
وحاصل الجواب عنه : أنه ليس كل حكم تحريمي أهم من كل حكم إيجابي ؛ حتى يكون احتمال الحرمة دائما مقدما على احتمال الوجوب ؛ بل لا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد التي هي ملاكات الأحكام ، فرب واجب يكون أهم من الحرام كحفظ النفس ، فإنه مقدم على حرمة الغصب عند المزاحمة ، فلذا يكون احتمال وجوبه ـ مهما كان ضعيفا ـ مقدما على احتمال حرمة الغصب مهما كان قويا ، وكذا إذا دار الأمر بين كون شخص نبيا أو سابا للنبي ، فإن وجوب حفظ النبي أهم قطعا من حرمة حفظ سابه حدا.
وربّ حرام يكون أهم من واجب كالغصب والوضوء ، وعليه : فلا يقدم احتمال الحرمة مطلقا على احتمال الوجوب. هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا ؛ لأجل أن دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة».
قوله : «مطلقا» قيد «لترجيح» يعني : سواء كانت الحرمة مشتملة على الشدة والزيادة أم لا. «لأجل» متعلق «لترجيح» وعلة له.
(١) تعليل لقوله : «لا وجه» ، وجواب عن مفاد الدليل وهو إطلاق الأولوية والترجيح. وقد تقدم توضيحه.
(٢) أي : فكيف يقدم احتمال الحرام على احتمال الوجوب مطلقا؟
(٣) أي : مثل الواجب والحرام المتزاحمين. والمراد بمثليهما : الوجوب والحرمة في المقام.
والحاصل : أن المناط في ترجيح أحد احتمال الوجوب والحرمة على الآخر في صورة دوران الأمر بين المحذورين هو المناط في ترجيح أحد المحتملين على تقدير العلم بهما وتزاحمها ، فكما لا يكون هناك أحدهما مقدما مطلقا على الآخر ؛ بل يكون المقدم منهما ما له شدة طلب وزيادة اهتمام به ، سواء كان هو الواجب أم الحرام ، فكذلك هنا. ولو تمت الأولوية المذكورة مطلقا وفي جميع الموارد لكان أصغر المحرمات أعظم من ترك أهم الفرائض عند التزاحم ، مع أن ترك الواجب سيّئ أيضا ؛ بل عدّ ترك الصلاة من أكبر الكبائر.