تنبيهات
الأول (١) : أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين ، كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين.
______________________________________________________
مانعية الاضطرار عن تنجز التكليف بالعلم الإجمالي
(١) وقبل الشروع في البحث في هذا التنبيه لا بد من بيان أمر به يتضح محل البحث ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأفعال الصادرة عن المكلفين تارة : معنونة بعناوين أولية وذاتية ، وأخرى : معنونة بعناوين ثانوية وعرضية.
ثم الأدلة المثبتة للأحكام الشرعية أيضا على قسمين :
تارة : تكون مثبتة لها على الموضوعات بعناوينها الأولية نحو : الخمر حرام ، والميتة حرام ، والوضوء واجب ، والصوم واجب.
وأخرى : تكون مثبتة لها على الموضوعات بعناوينها الثانوية نحو : «رفع ما اضطروا إليه ، ورفع ما استكرهوا عليه» ، و «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، ومن المعلوم : أن هذه الأدلة حاكمة على الأدلة المثبتة للأحكام الشرعية على الموضوعات بعناوينها الأولية ، فالاضطرار مانع عن فعلية حرمة الميتة مثلا ، ومحل البحث في هذا التنبيه الأول هو كون الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي مانعا عن تنجز التكليف المعلوم بالإجمال.
إذا عرفت هذه المقدمة يتضح لك : أن محل البحث في هذا التنبيه هو كون الاضطرار مانعا عن تنجز التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي ، ثم محل الكلام ما إذا كان الاضطرار رافعا لجميع الآثار للمعلوم بالإجمال ؛ كما إذا علم بنجاسة أحد المائعين المضافين ، ثم اضطر إلى شرب أحدهما ، فإن الأثر المترتب على هذا المعلوم بالإجمال ليس إلا الحرمة المرتفعة بالاضطرار ، فيقع الكلام في أنه هل ينحل العلم الإجمالي بذلك أم لا؟
وأما إذا كان المرتفع بالاضطرار بعض الآثار ؛ كما لو علم بنجاسة أحد الماءين المطلقين ، ثم اضطر إلى شرب أحدهما لا على التعيين ، فإن الأثر المترتب على هذا المعلوم