المقام الثاني (١):
في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، والحق أن العلم الإجمالي بثبوت
______________________________________________________
الأقل والأكثر الارتباطيان
(١) يعني : من الشك في المكلف به ، فإن المقام الأول منه كان في دوران الأمر بين المتباينين ، والمقام الثاني منه يكون في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : بيان أمور :
الأول : بيان الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر الارتباطيين.
وحاصل الفرق بينهما : أن المتباينين ما لا ينطبق أحد طرفي الترديد على الطرف الآخر كالظهر والجمعة والصوم والإطعام إذا تردد المكلف به بينهما ، ويتحقق الاحتياط بالجمع بينهما.
وأما الأقل والأكثر : فطرفا الترديد يمكن اجتماعهما بالإتيان بالأكثر ، فيتحقق الاحتياط بالإتيان بالأكثر.
الثاني : هو بيان الفرق بين الأقل والأكثر الارتباطيين والأقل والأكثر الاستقلاليين.
وحاصل الفرق بينهما : أن المركب الارتباطي يتألف من أشياء يكون بين الأوامر المتعلقة بها ملازمة ثبوتا وسقوطا ؛ كتلازم الأغراض والملاكات الداعية إلى تلك الأوامر التي هي أمر واحد حقيقة منبسط على تلك الأشياء. والمركب الاستقلالي يتألف من أشياء يتعلق بها أوامر لا ملازمة بينها ثبوتا وسقوطا ؛ بل يكون لكل منها إطاعة مستقلة.
وعليه : فالحكم في المركب الارتباطي واحد وفي الاستقلالي متعدد ، فأمر التكبير وغيرها من أجزاء الصلاة ـ التي هي من المركبات الارتباطية ـ لا يسقط إلا مع سقوط أوامر سائر أجزائها من الركوع والسجود والقراءة والتشهد والتسليم وغيرها من الأجزاء.
ولأجل هذا الارتباط : عدّ المقام من صور الشك في المكلف به ، فلو علم إجمالا بوجوب الصلاة وتردد متعلقه بين تسعة أجزاء وعشرة ، فإن مقتضى الارتباطية عدم سقوط أمر الصلاة لو أتى بها مجردة عن مشكوك الجزئية على تقدير جزئيته واقعا.
وهذا بخلاف الاستقلاليين ، فإن وجود الأكثر ـ على تقدير وجوبه واقعا ـ غير معتبر في صحة الأقل وسقوط أمره ، فإن الأمر بالأقل نفسي استقلالي أيضا ، ويترتب الغرض عليه مطلقا ولو مع عدم تحقق الأكثر ؛ نظير الدين وقضاء الفوائت وقضاء صوم رمضان إذا ترددت بين الأقل والأكثر ، فإن أداء الأقل من الدين وقضاء الفوائت وقضاء صوم