الأول (١) ، ولا دليل (٢) آخر على أمر آخر (٣) بالخالي عنه (٤).
لأنه يقال : نعم (٥) ؛ وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه ؛ إلا إن نسبة حديث
______________________________________________________
توضيح هذا الإشكال ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٢٣٤» ـ هو : أنه بعد جريان أصالة البراءة في الأمر بالأكثر ـ الذي هو منشأ انتزاع الجزئية ـ لا يبقى أمر يتعلق بالأقل ، والمفروض : عدم دليل آخر يدل على كون الواجب هو الأقل ، وأصالة البراءة أيضا لا تثبته إلا على القول بحجية الأصول المثبتة ، فلا وجه حينئذ لما أفيد قبيل هذا من «أن عموم حديث الرفع يرفع الإجمال والتردد عن الواجب المردد بين الأقل والأكثر ويعينه في الأقل» ؛ وذلك لبداهة : ارتفاع الأمر بأصل البراءة ولا أمر آخر يدل على كون الواجب هو الأقل الخالي عما شك في جزئيته.
فالنتيجة : أن البراءة الشرعية لا تجري حتى يثبت أن الواجب هو الأقل وينحل به العلم الإجمالي ؛ بل يجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر.
(١) وهو الأمر المتعلق بالأكثر المفروض ارتفاعه بحديث الرفع.
(٢) أي : والحال أنه لا دليل آخر على تعلق طلب آخر بالأقل.
(٣) يعني : غير الأمر الأول المتعلق بالأكثر المرتفع بحديث الرفع.
(٤) أي : بالخالي عما شك في جزئيته ، والمراد بالخالي عن المشكوك : هو الأقل.
(٥) أي : وإن لم يكن دليل آخر على وجوب الأقل بعد نفي الأكثر بالبراءة ؛ إلا إنه يمكن إثبات وجوب الأقل بطريق آخر سيأتي بيانه.
وهذا جواب الإشكال ومحصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٢٣٥» ـ أن الوجه في ثبوت الأمر بالأقل ليس هو البراءة الشرعية حتى يقال : إن الأصل لا يثبت اللوازم ؛ بل الوجه في ذلك هو : الجمع بين أدلة الأجزاء وبين أدلة البراءة الشرعية ، حيث إن وجوب الأقل معلوم بنفس أدلة الأجزاء ، ووجوب الأكثر منفي بالبراءة الشرعية ، فيكون مثل حديث الرفع بمنزلة الاستثناء وتقييد إطلاقها لحالتي العلم والجهل بجزئية الأجزاء ، فإذا فرض جزئية السورة مثلا للصلاة واقعا كان مثل حديث الرفع نافيا لجزئيتها في حال الجهل بها ، فكأن الشارع قال : «يجب في الصلاة التكبير والقراءة والركوع والسجود والتشهد مطلقا علم بها المكلف أم لا ، وتجب السورة إذا علم بجزئيتها». وهذا التحديد نشأ من حكومة حديث الرفع على أدلة الأجزاء والشرائط حكومة ظاهرية موجبة لاختصاص الجزئية بحال العلم بها على نحو لا يلزم التصويب ؛ كما مر في بحث أصل البراءة ، كما أن إطلاق دليل الجزئية لحالتي التذكر والنسيان يتقيد بفقرة «رفع النسيان» بصورة التذكر.