الأجزاء التحليلية
بعد ما فرغ المصنف عن حكم الأجزاء الخارجية من حيث جريان البراءة وعدم جريانها فيها ، شرع في حكم الأجزاء التحليلية.
وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في الأمر الأول.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأجزاء على قسمين :
١ ـ الخارجية. ٢ ـ التحليلية العقلية.
والفرق بينهما : أن الأولى لا تحتاج إلى دقة فكر وتأمل عقل ، نظير الأمر بالصلاة مع السورة مثلا ، فإن نفس قول القائل : «صل مع السورة» يدل على التركيب وكاشف عنه ، وأما الثانية : فهي تحتاج إلى تأمل عقل وإعمال فكر ، نظير الأنواع والأجناس كالإنسان والحيوان ، حيث كل واحد منهما يحلل بالدقة العقلية إلى الأجزاء ؛ كتحليل الإنسان إلى حيوان ناطق ، وتحليل الحيوان إلى جسم نام متحرك بالإرادة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام هو المركب من الأجزاء التحليلية ، كما أن المراد بالمركب في المباحث المتقدمة هو المركب من الأجزاء الخارجية.
وقد تقدم : أن المصنف قال في الأجزاء الخارجية بالتفصيل بين حكم العقل والشرع بمعنى : أن مقتضى حكم العقل هو الاحتياط دون البراءة ، ومقتضى حكم الشرع هو البراءة. وقد تقدم وجه ذلك تفصيلا.
ثم يقول المصنف في المقام : إنه قد ظهر ـ مما مر من دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المركب من الأجزاء الخارجية ، حيث قلنا بالاحتياط عقلا والبراءة شرعا ـ حال دوران الأمر بين المشروط بشيء كقوله «صل مع الطهارة» ، «ومطلقه» أي : الخالي من الشرط ؛ كأن شككنا في أن الواجب مثلا هل هو الصلاة أو الصلاة حال الطهارة ، ودوران الأمر بين العام والخاص ؛ كأن شككنا في أن الواجب هو الإتيان بالإنسان أو بالحيوان في قول المولى : «ائتني بشيء» ، ونعلم إجمالا بأن المراد بالشيء هو الحيوان ، ولكن لا نعلم بأن المراد هو الجنس أو النوع كالإنسان. ويقول المصنف : إنه لا مجال هاهنا للبراءة عقلا ؛ «بل كان الأمر فيهما أظهر» يعني : بل كان الاشتغال في المطلق والمقيد والعام والخاص «أظهر ، فإن الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر» باليقين التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالنسبة إلى الزائد الذي هو مجرى البراءة «لا يكاد يتوهم هاهنا بداهة :