لا بيانية (١) ولا بمعنى الباء ، وظهورها (٢) في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى (٣) ؛ إلا إن (٤) كونه بحسب الأجزاء غير واضح ؛ ...
______________________________________________________
المطلوب وهو وجوب ما تيسر من أجزاء المركب الذي تعذر بعض أجزائه.
(١) «المراد بها : كون مدخول «من» هو الجنس الذي يكون المبين ـ بالفتح ـ منه كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) وقوله : «أثوابى من قطن وخواتيمى من فضة» (١) ، وهذا الضابط للبيانية لا ينطبق على المقام ، ضرورة : أن مدخول «من» هنا ليس إلا نفس الشيء المذكور قبله ، حيث إن الضمير عين مرجعه. فكأنه قيل : «إذا أمرتكم بشيء فأوجدوه ما استطعتم» ، وهذا عبارة أخرى عن دخل القدرة في متعلق الخطاب ، وأنه مع التمكن يجب فعل المأمور به ولا يجوز تركه ، وهذا لا يدل على وجوب بعض المركب المأمور به إذا تعذر بعض أجزائه ، لو لم يدل على وجوب تكرار الطبيعة المأمور بها كما مر آنفا» (٢).
وحاصل الكلام في المقام : أن جعل «من» بمعنى الباء في كل مورد ، وبيانية في خصوص هذا المورد خلاف الظاهر الذي لا يصار إليه بلا دليل ، فالمتعين حينئذ : كون كلمة «من» تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء ، ومع ذلك لا يدل الخبر الأول على اعتبار قاعدة الميسور في المقام ؛ وذلك لما عرفت : من احتمال الميسور بحسب الأفراد ، ومحل الكلام هو الميسور بحسب الأجزاء لا الأفراد.
(٢) أي : كلمة «من» في التبعيض الذي هو عبارة عن صحة قيام كلمة «بعض» مقام كلمة «من» ، وقد عرفت : تقريب هذا الظهور الذي هو أحد الوجهين اللذين يكون الاستدلال بالخبر الأول مبنيا عليهما.
(٣) لما مر من عدم ثبوت استعمال «من» بمعنى الباء ، وعدم انطباق ضابط البيانية أيضا عليه ، فالمتعين كون «من» هنا للتبعيض ، فهذا الوجه الأول ثابت.
(٤) غرضه : الإشكال على كون التبعيض بحسب الأجزاء لا الأفراد.
ومحصل الإشكال : أن التبعيض إن كان بلحاظ الجامع بين الأجزاء والأفراد ؛ بأن يراد بالشيء ما هو أعم من الكل ذي الأجزاء كالصلاة والحج والكلي وذي الأفراد كالعالم ، أو بلحاظ خصوص الأجزاء ، كان الخبر دليلا على المقصود وهو وجوب بعض أجزاء المركب مع تعذر بعضها الآخر.
__________________
(١) الحج : ٣٠.
(٢) منتهى الدراية ٦ : ٣٣٨.