ما لم يؤخذ الزمان فيه إلّا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه ، وإلّا (١) فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذلك الزمان ، فإنه (٢) غير ما علم ثبوته له ، فيكون الشك في ثبوته له أيضا (٣) شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه.
لا يقال (٤) : إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ، ضرورة (٥) : دخل ...
______________________________________________________
(١) أي : وإن لم يؤخذ الزمان ظرفا بل أخذ قيدا مقوما لموضوع الحكم. وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا بقولنا : «ثانيتهما».
(٢) هذا تعليل لقوله : «وإلّا فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه».
وحاصل التعليل : مغايرة الوجوب الذي يكون بعد زمان الفعل للوجوب الذي يكون في زمان الفعل ، ومغايرة الوجوبين تمنع من جريان الاستصحاب ؛ لكون الشك في حكم الفعل بعد ذلك الزمان شكا في حدوث التكليف ؛ لا شكا في بقائه حتى يجري فيه استصحاب التكليف. وضمائر «عدمه ، ثبوته» في الموضعين راجعة إلى «الحكم» ، وضميرا «له» في الموضعين راجعان إلى «الفعل» المستفاد من الكلام ، يعني : فإن الحكم الثابت بالاستصحاب فيما بعد ذلك الزمان غير الحكم الذي علم ثبوته للفعل قبل ذلك الزمان ، وتغاير الفعلين يوجب تعدد الموضوع ، وكون الحكم الثابت لما بعد ذلك الزمان مغايرا للحكم الثابت لما قبله ، وكون الشك فيه شكا في حدوث الحكم لا بقائه.
(٣) يعني : كما أن الشك في التكليف قبل تشريعه في ذلك الزمان يكون شكا في حدوث التكليف لا في بقائه حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ بل لا محيص عن جريان استصحاب عدم التكليف فيه. وضميرا «ثبوته ، بعدمه» راجعان إلى الحكم.
(٤) هذا إشكال على التفصيل الذي أفاده من جريان استصحاب ثبوت التكليف فيما إذا كان الزمان ظرفا ، واستصحاب عدم التكليف فيما إذا كان الزمان قيدا.
تقريب الإشكال : أن الزمان وغيره من الزماني مما أخذ في حيّز الخطاب يصير قيدا للموضوع ودخيلا في ملاك الحكم على مبنى تبعية الأحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد ، وإذا صار الزمان من قيود الموضوع فانتفاؤه مانع عن جريان الاستصحاب ؛ إذ لا أقل من كون انتفائه موجبا للشك في بقاء الموضوع ، ومن المعلوم : أنه مع هذا الشك لا يجري الاستصحاب ، فلا فرق في عدم جريانه في ثبوت التكليف بين ظرفية الزمان وقيديته.
(٥) تعليل لقوله : «لا محالة» وحاصله : أن قيديته للموضوع إنما هي لأجل دخله في ملاك الحكم ، وضمائر «دليله ، لثبوته ، وعدمه» راجعة إلى الحكم.