الخامس (١) : إنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا ، لا ينبغي
______________________________________________________
التنبيه الخامس في الاستصحاب التعليقي
(١) وقبل الخوض في البحث ينبغي تحرير ما هو محل الكلام في هذا التنبيه الخامس.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الحكم تارة : يكون فعليا من جميع الجهات ، وأخرى : يكون فعليا من بعض الجهات دون بعض ، ويعبّر عن القسم الأول بالحكم التنجيزي.
وعن القسم الثاني يعبّر بالحكم التعليقي تارة ؛ وبالحكم التقديري أخرى.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام في هذا التنبيه الخامس إنما هو في جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وعدم جريانه بعد القول بجريان الاستصحاب في الأحكام التنجيزية.
وأما على القول بعدم جريان الاستصحاب في الأحكام : فلا يبقى مجال للبحث عن جريانه في الأحكام التعليقية ؛ وذلك لعدم جريانه حينئذ فيها قطعا كما لا يخفى.
وكيف كان ؛ فقبل التكلم في جريان الاستصحاب التعليقي وعدمه لا بد من بيان مقدمة ، وهي : أن العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام على أقسام :
فتارة : يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة إلى حقيقة المعنون بلا دخل للعنوان في ثبوت الحكم أي : بحيث يفهم العرف من نفس الدليل الدال على الحكم أن الحكم ثابت لهذا الموضوع ، مع تبدل العنوان المأخوذ بعنوان آخر ؛ كعنوان الحنطة والشعير مثلا ، فإنه إذا دل دليل على أن الحنطة حلال ، ويستفاد منه عرفا أن الحلية ثابتة لحقيقة الحنطة ـ ولو مع تبدل هذا العنوان ـ كما إذا صار دقيقا ثم عجينا ثم خبزا ، فيستفاد من حليتها الحلية في جميع هذه التبدلات ، ففي مثل ذلك لا شك في بقاء الحكم في حال من الحالات ، حتى نحتاج إلى الاستصحاب.
وأخرى : يكون الأمر بعكس ذلك ـ أي : يفهم العرف من نفس الدليل أن الحكم دائر مدار العنوان فيرتفع بارتفاعه ـ كما في موارد الاستحالة ؛ كاستحالة الكلب ملحا ونحوها من موارد الاستحالات.
وقد يستفاد ذلك في غير موارد الاستحالة ، كما في حرمة الخمر فإنها تابعة لصدق عنوانه ، فإذا تبدل عنوانه لم يحتمل بقاء حكمه ، ففي أمثال ذلك نقطع بارتفاع الحكم بمجرد تبدل العنوان فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب.
وثالثة : لا يستفاد أحد الأمرين من نفس الدليل ، فشك في بقاء الحكم بعد تبدل