المقام الثاني (١):
أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورده (٢) ، وإنما الكلام في أنه (٣) للورود أو الحكومة (٤) ، أو التوفيق (٥) بين دليل اعتبارها وخطابه.
______________________________________________________
المقام الثاني : تقدم الأمارة على الاستصحاب بالورود
(١) الغرض من بيان هذا المقام : هو التعرض لوجه تقدم الأمارة المعتبرة غير العلمية على الاستصحاب ، بعد أن نفى الشبهة عن تقدمها عليه ، ولكنه لا بد من حمل نفي الشبهة على كون الاستصحاب أصلا عمليا ، وأما بناء على أماريته فمقتضى القاعدة تعارضهما وتساقطهما لا تقدم الأمارة عليه ، فما يتراءى في كلمات بعض : من معاملة التعارض مع الأمارة والاستصحاب مبني على كونه من الأمارات لا من الأصول العملية.
(٢) أي : في مورد الاستصحاب ؛ كما إذا كان الثوب مثلا متنجسا وشك في طهارته ، وشهدت بيّنة بطهارته ، فإنه تقدم شهادة هذه البيّنة على استصحاب نجاسته ويحكم بطهارته.
(٣) أي : في أن عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة وتقديمها عليه هل هو للورود أم غيره؟
والورود : عبارة عن خروج شيء عن دائرة موضوع دليل حقيقة بعناية التعبد في مقابل التخصص الذي هو الخروج الموضوعي أيضا ، لكن لا بالتعبد ، بل بالتكوين ؛ كخروج الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء».
(٤) وهي بنحو الإجمال : خروج شيء عن موضوع دليل بالتعبد وبإثباته للمؤدى ؛ كخروج وجوب السورة مثلا في الصلاة عن موضوع دليل البراءة الشرعية بقيام أمارة معتبرة غير علمية على وجوبها ، فإن هذه الأمارة بإثباتها لوجوب السورة تقدم على أصل البراءة حكومة ، وقد تقدم تفصيل الحكومة في قاعدة نفي الضرر.
(٥) والتوفيق بين الدليلين : توضيحه يتوقف على مقدمة وهي : إن للتوفيق العرفي إطلاقين :
أحدهما : نحو خاص من الجمع العرفي بين الدليلين المتعارضين بالنظر البدوي ، وهو في قبال سائر أنحاء الجمع بينهما كالورود والحكومة والتخصيص.
ثانيهما : معنى عام لمطلق الجمع الدلالي بين المتعارضين فيندرج فيه الورود والحكومة والتخصيص ، وحمل الظاهر على النص أو الأظهر ، وحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي والآخر على الفعلي.