والتحقيق : أنه (١) للورود ، فإن (٢) رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المقصود من التوفيق العرفي في آخر هذا البحث هو المعنى الثاني ، كما أن المراد به في المقام بقرينة مقابلته للورود والحكومة هو الأول ، فهو عبارة عن حمل أحد الدليلين المعروضين على العرف على الحكم الاقتضائي والآخر على الفعلي ، كالجمع بين دليلي وجوب الوضوء ونفي الضرر بحمل الأول على الاقتضائي والآخر على الفعلي ، أي : نفي الوجوب فعلا لأجل الضرر.
وتقريبه في المقام أن يقال : أن البناء على الحالة السابقة المتيقنة ثابت لو لا اعتبار الأمارة شرعا القائمة على خلافها ، فالحكم الاستصحابي اقتضائي والحكم الثابت بالأمارة فعلي. وضمير «اعتبارها» راجع إلى الأمارة ، وضمير «خطابه» إلى الاستصحاب.
(١) أي : أن عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة يكون للورود. هذا ما اختاره المصنف هنا ؛ لكنه في ما علقه على بحث البراءة من الرسائل عدل إلى الحكومة ، وجعل مورد الورود خصوص الدليل العلمي على الأصل العملي ، حيث قال في جملة كلامه : «وإما حاكم عليه برفع موضوعه حكما كما هو الحال في الدليل غير العلمي بالنسبة إلى كل أصل كان مدركه النقل». «حاشية الرسائل ، ص ١١٢».
(٢) تعليل لقوله : «والتحقيق» وبيان له.
ويمكن تقريب الورود بوجهين :
الأول : ما أفاده في حاشية الرسائل من اقتضاء الأمارة لليقين الرافع للشك حقيقة.
وتوضيحه : أن موضوع أدلة الاستصحاب هو «نقض اليقين بالشك» لتعلق النهي المدلول عليه ب «لا تنقض» ، وليس الموضوع نفس «الشك» حتى يدعى بقاء الشك وجدانا فيما تيقنه سابقا ، بعد قيام الأمارة على أحد طرفي الشك ويبطل دعوى الورود ، لما عرفت : من تعلق النهي بنفس «نقض اليقين بالشك».
وحينئذ : فإن كان السبب في رفع اليد عن اليقين السابق نفس الشك في البقاء كان ذلك منهيا عنه بمقتضى «لا تنقض» ؛ وإلّا فلا.
وعلى هذا : فإن قامت أمارة معتبرة كخبر العدل والبيّنة على أمر كان اللازم الأخذ بها ، سواء وافقت الحالة السابقة أم خالفتها ، وذلك لارتفاع موضوع الاستصحاب أعني : ـ نقض اليقين بالشك ـ بقيامها ؛ لكون نقض اليقين حينئذ باليقين لا بالشك ، فإن الأمارة المعتبرة وإن لم توجب اليقين بالواقع ؛ لإمكان مخالفتها للواقع ؛ لكن مفاد دليل اعتبار الأمارة هو اليقين بالحكم بعنوان ثانوي كعنوان «ما أخبر به العادل» أو «ما شهدت به