وأما العقلية (١) : فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها ، بداهة (٢) : عدم الموضوع معه لها ، ضرورة (٣) أنه إتمام حجة وبيان ومؤمّن من العقوبة ، وبه الأمان (٤). ولا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح (٥).
______________________________________________________
وضمير «فيه» راجع إلى التخصيص ، وضمير «منها» إلى الأصول. وهذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي النسبة بين الاستصحاب والأصول النقلية.
(١) هذه هي الجهة الثانية أعني : ورود الاستصحاب على الأصول العقلية وهي البراءة والاشتغال والتخيير.
ومحصل تقريب وروده عليها : أنه يرفع حقيقة ما هو موضوع لتلك الأصول ، فإن موضوع البراءة العقلية ـ وهو عدم البيان أي : الحجة على التكليف ـ يرتفع بالاستصحاب الذي هو حجة وبيان على التكليف. وكذا يرتفع الشك في المؤمّن ـ الذي هو موضوع قاعدة الاشتغال المقتضي عقلا للزوم الاحتياط تحصيلا للمؤمّن ـ ببركة الاستصحاب ، فإنه صالح للمؤمّنية ورافع لاحتمال العقوبة ، فإذا علم إجمالا بوقوع قطرة دم مثلا ـ إما على ثوب نجس أو ثوب طاهر ـ فاستصحاب طهارة الثوب الذي كان طاهرا يجري ، ويرتفع موضوع الاحتياط العقلي وهو احتمال العقوبة.
نعم ؛ إذا كان للمعلوم الإجمالي أثر زائد ؛ كما إذا كان بولا والنجاسة السابقة دما ، فحينئذ : لا يجري ؛ بل تجري قاعدة الاشتغال ، وكذا الحال في موضوع قاعدة التخيير وهو تساوي الاحتمالين ؛ كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته ، وجرى الاستصحاب في الوجوب ، فإن به يخرج عن تساويهما الموجب للتحيّر ؛ كاستصحاب شهر رمضان في يوم الشك في كونه منه أو من شوال ، فإنه يرفع التحيّر.
(٢) تعليل لقوله : «فلا يكاد» ، وضمير «معه ، أنه» راجعان إلى الاستصحاب ، وضمير «لها» راجع إلى الأصول العقلية.
(٣) بيان لعدم الموضوع ، وقوله : «أنه إتمام حجة وبيان» إشارة إلى البراءة العقلية ، فإن موضوعها ـ وهو عدم البيان ـ يرتفع بالاستصحاب ، حيث إنه حجة وبيان على التكليف.
(٤) إشارة إلى الاشتغال العقلي الذي موضوعه عدم المن من العقوبة ، وهو يرتفع بالاستصحاب ؛ لكونه مؤمّنا من العقوبة ؛ كما إذا جرى استصحاب القصر أو الإتمام في بعض الموارد التي يقتضي الاحتياط فيها الجمع بينهما ، فإن استصحاب وجوب أحدهما مبرئ للذمة ومؤمّن من العقوبة عند الاكتفاء بمستصحب الوجوب.
(٥) هذا إشارة إلى التخيير العقلي الذي موضوعه تساوي الاحتمالي الموجب للتحير ، ولا شبهة في أن الاستصحاب يرجح أحد الاحتمالين ، فيرتفع به الموضوع وهو التساوي ؛