البقاء (الْقَيُّومُ) المبالغ في القيام بتدبير خلقه (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) نعاس (وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (مَنْ ذَا الَّذِي) أي لا أحد (يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) له فيها (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي الخلق (وَما خَلْفَهُمْ) أي من أمر الدنيا والآخرة (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ
____________________________________
الله منه فيها سبعون ألف ألف حسنة ، حتى ينفخ في الصور وتشتغل الملائكة ، وأخذ العارفون منها فوائد جمة منها من فرأها عقب كل صلاة أربع عشرة عدة فصولها أحبه العالم العلوي والسفلي ، ومن قرأها عدة الرسل ثلاثمائة وثلاث عشرة فرج الله عنه وأزال عنه ما يكره ، ومنها من قرأها عدد حروفها وهي مائة وسبعون حرفا لا يطلب منزلة إلا وجدها ولا سعة إلا نالها ولا فرجا من سائر الشدائد إلا حصل ، ومنها أنه إذا سقي المبطون حروفها مقطعة شفي بإذن الله ، ومنها من كتبها عدد كلماتها وهي خمسون كلمة وحملها أدرك غرضه من عدوه وحاسده ، وإن كان للمحبة والألفة نال مقصوده ، وتسميتها آية الكرسي من باب تسمية الشيء باسم جزئه لذكره فيها. قوله : (الدائم البقاء) أي فحياته ذاتية له.
قوله : (الْقَيُّومُ) هو من صيغ المبالغة وإن لم تكن من الصيغ المشهورة. قوله : (المبالغ في القيام بتدبير خلقه) أي فلا يشغله شأن عن شأن (ولا تخفى عليه خافية) أبدا سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب النهار ، وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ، فقوم السماء وزينها ، وبسط الأرض وجملها ، وأرضى كل إنسان بما قسم له من غير تعب يحصل له من ذلك ، قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ).
قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) هذا من صفات السلوب والسنة هي النوم في العين وهي نوم الأنبياء. قوله : (وَلا نَوْمٌ) عرف بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهرا عليه ، تمنع حواسه الحركة وعقله الإدراك ، إن قلت حيث كان منزها عن السنة فهو منزه عن النوم بالأولى أجيب بأنه زيادة في الإيضاح ، وأجيب أيضا بأنه ذكر النوم لأنه ربما يتوهم من كونه يهجم قهرا أنه يغلبه فلا يلزم من نفي السنة نفي النوم وهذا هو الأثم ، لأنه لا يلزم من نفي الأخف نفي الأثقل. إن قلت : إن الملائكة أيضا لا تأخذهم سنة ولا نوم فليس في ذكر هذه الصفة مزيد مزية. أجيب : بأن تنزه الملائكة عن النوم من إخبار الله فقط ، وإلا فالعقل يجوزه عليهم بخلاف تنزه الله عنه ، فالدليل العقلي قائم على تنزهه عنه. قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كالدليل لما قبله ، وأتى بما تغليبا لغير العاقل لكثرته. قوله : (ملكا (بضم الميم معناه التصرف ، وقوله وخلقا أي إيجادا ، وقوله وعبيدا أي مملوكين له (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) ولا نزاع في كون السموات والأرض ملكا لله ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وفي ذلك رد على الكفار حيث أثبتوا له شريكا ، فكأن الله يقول لهم ما أشركتموه لا يخرج عن السموات والأرض ، وشأن الشريك أن يكون مستقلا خارجا عن مملكة الشريك الآخر.
قوله : (مَنْ ذَا) اسم استفهام مبتدأ و (الَّذِي) خبره وهو استفهام إنكاري بمعنى النفي ، أي لا شفيع في أحد يستحق النار يشفع عنده بغير مراده. قوله : (أي لا أحد) تفسير للاستفهام الإنكاري. قوله : (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي مراده. قوله : (أي من أمر الدنيا) راجع لقوله ما بين أيديهم ، وقوله : (والآخرة) راجع لقوله : (وَما خَلْفَهُمْ) فهو لف ونشر مرتب ويصح العكس فيكون لفا ونشرا مشوشا ،