واللفظ (قائِماً) بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد (بِالْقِسْطِ) بالعدل (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كرره تأكيدا (الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) (١٨) في صنعه (إِنَّ الدِّينَ) المرضي (عِنْدَ اللهِ) هو (الْإِسْلامُ) أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح أن بدل من أنه الخ بدل اشتمال (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بالتوحيد (بَغْياً) من
____________________________________
بذلك إلى أن الملائكة معطوف على لفظ الجلالة فهو مرفوع ، وقدر الفعل دفعا لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وفيه خلاف ولا يتمشى التنزيل عليه ، فإن الشهادة في حق الملائكة معناها الإقرار ، وأما في حق الله فمعناها التبيين.
قوله : (وَأُولُوا الْعِلْمِ) لم يقدر الفعل اكتفاء بما قدره في جانب الملائكة. قوله : (بالاعتقاد) أي في القلب ، وقوله : (واللفظ) أي باللسان وإنما اقتصر في جانب الملائكة على الإقرار دون أولي العلم ، لأن توحيد الملائكة جبلي لهم مخلوقون عليه كالنفس ، فلا يتوهم فيهم عدم الاعتقاد بخلاف الإنس فاختياري لهم لوجود المنافقين فيهم دون الملائكة. قوله : (ونصبه على الحال) أي إما من لفظ الجلالة أو من الضمير المنفصل بعد إلا ، والاحسن الثاني ليفيد أن الله شهد شهادتين : الأولى أنه لا إله إلا هو ، والثانية أنه قائم بالقسط ، فمتعلق الأولى تنزيه ذاته ، ومتعلق الثانية تنزيه صفاته. قوله : (معنى الجملة) أي جملة لا إله إلا هو ، وقوله : (أي تفرد) بيان لمعنى الجملة. قوله : (بِالْقِسْطِ) بيان لكرمه تعالى : فالمعنى أنه تعالى ثابت الأولوهية ، وأن جميع الخلق مملوكون له يتصرف فيهم كيف يشاء ، فلو ادخل الطائعين جميعا النار لا حرج عليه ، غير أنه لا يفعل ذلك بل هو قائم بالقسط. قوله : (تأكيدا) أي وتوطئة لقوله : العزيز الحكيم. قوله : (الْعَزِيزُ) (في ملكه) أي عديم المثال أو قاهر لخلقه ، وهو راجع لقوله إنه لا إله إلا هو. قوله : (الْحَكِيمُ) (في صنعه) أي يصنع الشيء في محله وهو راجع لقوله قائما بالقسط ، والعزيز الحكيم إما خبران لمبتدأ محذوف ، وإما بدلان من ضمير المنفصل ، أو نعتان له على جواز نعت ضمير الغيبة.
قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) نزلت لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من دين اليهودية ، وادعت النصارى أن لا دين أفضل من دين النصرانية. قوله : (هو) (الْإِسْلامُ) قدر الضمير إشارة إلى أن الجملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر. قوله : (المبعوث به الرسل) أي جميعهم من آدم إلى محمد قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) فأصل الدين واحد ، وإنما الاختلاف في الفروع. قوله : (بدل اشتمال) أي فيكون من تمام آية شهد الله ، لأن وحدانية الله اشتمل عليها الإسلام ، وهذا إن أريد بالإسلام الشرع المنقول ، وأما إن أريد به التوحيد كان بدل كل من كل.
قوله : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) جواب عن سؤال نشأ من قوله : (إن الدين عند الله الإسلام) كأنه قيل حيث كان الدين واحدا من آدم إلى الآن فما اختلاف أهل الكتاب. قوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) استثناء من محذوف ، أي ما كان اختلافهم في حال من الأحوال إلا في حال مجيء العلم لهم ، فالمعنى لا عذر ولا شبهة لهم في ذلك الاختلاف ، لأن الله بين لهم الحق من الباطل ، وإنما