اختلاط المخلص بغيره (حَتَّى يَمِيزَ) بالتخفيف والتشديد يفصل (الْخَبِيثَ) المنافق (مِنَ الطَّيِّبِ) المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك وفعل ذلك يوم أحد (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) فاعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) يختار (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلىاللهعليهوسلم على حال المنافقين (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) النفاق (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩) (وَلا يَحْسَبَنَ) بالياء والتاء (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي بزكاته (هُوَ) أي بخلهم (خَيْراً لَهُمْ) مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدرا قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ) أي بزكاته من المال (يَوْمَ الْقِيامَةِ) بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ويد في الحديث (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يرثهما بعد فناء أهلهما (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) بالياء والتاء (خَبِيرٌ) (١٨٠) فيجازيكم به (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وهم اليهود قالوه لما
____________________________________
(أيها الناس) أي المؤمنون والكفار. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وفعل ذلك يوم أحد) أي حيث امتحنهم بالقدوم على العدو وبذل الأموال ، وكذلك في غزوة الأحزاب ، وكذلك في ميعاد أبي سفيان في العام المقبل من أحد ، ففضحهم الله وميزهم في مواضع عديدة. قوله : (عَلَى الْغَيْبِ) أي ما غاب عنهم.
قوله : (وَلكِنَّ اللهَ) استدراك على ما تقدم في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) كأنه قال إلا الرسل فإنه يطلعهم على الغيب. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي بزكاته) أشار بذلك إلى الكلام على حذف مضاف ، أي بزكاة ما آتاهم الله من فضله. قوله : (مقدرا قبل الموصول) أي فتقديره ولا تحسبن بخل الذين يبخلون الخ خيرا لهم إذا علمت ذلك ، فقول المفسر بخلهم فيه تسمح ، لأن المقدر قبل الموصول يكون مضافا له لا للضمير ، وإنما المضاف للضمير وهو ما قدر قبل الضمير. قوله : (وقبل الضمير) أي فتقديره (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الخ ، بخلهم خيرا لهم. قوله : (كما ورد في الحديث) أي وهو قوله عليه الصلاة والسّلام «يمثل مانع الزكاة بشجاع أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه ويقول أنا كنزك أنا مالك» ثم تلا (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الآية ، وقال تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ) الآية ، وهذا إذا كان المال من حلال فما بالك إذا كان من حرام وبخل به. قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هذا كالدليل لما قبله ، كأنه قال لا معنى للبخل بالمال ، فإنه لله يعطيه لمن يشاء ليصرفه فيما أمر به مدة حياته ، فإذا مات رجع المال لصاحبه. قال الشاعر :
وما المال والأهلون إلا ودائع |
|
ولا بد يوما أن ترد الودائع |
قوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ) اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لقد سمع إلخ. وسبب ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أمرهم بالدخول في الإسلام ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، قال كبراء اليهود كحي بن أخطب وكعب بن الأشرف وفنحاص بن عاذوراء ، لأبي بكر الصديق حين أمرهم بما ذكر على لسان رسوله (إن الله فقير ونحن أغنياء) ولو كان غنيا ما استقرضنا ، ومعنى سمعه