(فَأَصْبَحُوا) صاروا (خاسِرِينَ) (٥٣) الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) بالفك والإدغام يرجع (مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) إلى الكفر إخبار بما علم الله تعالى وقوعه وقد ارتد جماعة بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ) بدلهم (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قال صلىاللهعليهوسلم هم قوم هذا
____________________________________
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا تحذير عام لكل مؤمن من موالاة الكفار ، وبيان عاقبة من والاهم ومال إلى دينهم. قوله : (مَنْ يَرْتَدَّ) من اسم شرط جازم ، ويرتد فعل الشرط ، وجوابه قوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ) الخ ، والجملة خبر المبتدأ. قوله : (بالفك والإدغام) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (قد ارتدّ جماعة بعد موت النبي) أي وهم ثمان فرق : سبعة في خلافة أبي بكر ، وفرقة في زمن عمر ، وارتد ثلاث فرق أيضا في زمن رسول الله ، بنو مدلج ورئيسهم ذو الحمار لقب به لأنه كان له حمارا يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ، وهو الأسود العنسي بفتح العين وسكون النون ، وكان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده ، وأخرج عمال رسول الله ، فكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى معاذ بن جبل وسادات اليمن ، فأهلكه الله تعالى على يد فيروز الديلمي فبيته وقتله ، فأخبر رسول الله بقتله ليلة قتله ، فسرّ المسلمون بذلك ، وقبض رسول الله من الغد ، وأتى خبر قتله في آخر ربيع الأول ، وبنو حنيفة وهم قوم مسيلمة الكذاب ، تنبأ وكتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله ، إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإن الأرض نصفها لي ، ونصفها لك ، فكتب إليه رسول الله : من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، وهلك في خلافة أبي بكر على يد وحشي غلام مطعم بن عدي قاتل حمزة فكان يقول قتلت خير الناس في الجاهلية ، وشر الناس في الإسلام ، وبنو أسد وهم قوم طلحة بن خويلد تنبأ ، فبعث إليه رسول الله خالد بن الوليد فقاتله ، فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، والسبع اللاتي في خلافة أبي بكر الصديق هم : فزارة قوم عيينة بن حصن الفزاري ، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري ، وبنو سليم وبنو يربوع قوم مالك بن بريدة اليربوعي ، وبعض تميم وكندة قوم الأشعث بن قيس الكندي ، وبنو بكر بن وائل ، فكفى الله أمرهم على يد أبي بكر الصديق حين خرج لقتالهم حيث منعوا الزكاة ، فكره ذلك الصحابة وقالوا هم أهل القبلة فكيف نقاتلهم؟ فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره ، فقال ابن مسعود : كرهنا ذلك في الابتداء وحمدناه في الانتهاء ، وقال بعض الصحابة : ما ولد بعد النبيين أفضل من أبي بكر ، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة. والفرقة التي ارتدت في زمن عمر بن الخطاب هم غسان ، فكفى الله أمرهم على يد عمر رضي الله عنه. قوله : (بدلهم) أي بدل المرتدين ، فالضمير عائد على من باعتبار معناها ، وأشار به إلى الرابط بين المبتدأ وخبره ، وهذا لا يحتاج له إلا على قول بأن الجزاء وحده هو الخبر ، وأما على القول بأن الخبر هو مجموع فعل الشرط والجزاء أو الفعل وحده ، فلا حاجة لتقديره ، لأنه موجود في يرتد. قوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) عنى محبة الله لهم إقامتهم له في خدمته مع الرضا والإثابة ، ومعنى محبتهم لله موالاة طاعته وتقديم خدمته على كل شيء ، ولما كانت محبتهم لله ناشئة عن محبة الله لهم ، قدم محبة الله لهم. قال العارف رضي الله عنه على لسان الحضرة العلية :
أيّها المعرض عنّا |
|
إنّ أعراضك منّا |
لو أردناك جعلنا |
|
كلّ ما فيك يردنا |