فضلا منه وفيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ليجازيكم بأعمالكم (لا رَيْبَ) شك (فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢) (وَلَهُ) تعالى (ما سَكَنَ) حل (فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يقال (الْعَلِيمُ) (١٣) بما يفعل (قُلْ) لهم (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) أعبده (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما (وَهُوَ يُطْعِمُ) يرزق (وَلا يُطْعَمُ) يرزق ، لا (قُلْ إِنِّي
____________________________________
اللهُ). قوله : (لا جواب غيره) في معنى التفريع أو التعليل ، فالمناسب أن يقول فلا ، أو لأنه لا جواب غيره.
قوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي ألزم الرحمة لأنه وعد بها ، ووعده لا يتخلف ، فهي واجبة شرعا لا عقلا والرحمة هي النعمة ، وهي عامة لكل مخلوق في الدنيا ، قال تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فمن رحمته إمهال العصاة والكفار ، وترادف الرزق عليهم ، وأما بعد استقرار الخلق في الدارين فتختص الرحمة بأهل الجنة ، ويختص غضب الله بأهل النار. قوله : (فضلا منه) رد بذلك على المعتزلة القائلين بأن الرحمة واجبة عقلا على الله يستحيل تخلفها ، إذ هو نقص ، والنقص عليه محال. قوله : (وفيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان) أي في ذكر الرحمة بهذا العنوان ، فلا تقنطوا بل إذا تبتم قبلكم.
قوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) اللام موطئة لقسم محذوف ، وهو كلام مستأنف مؤكد بالقسم والنون إشارة إلى أن ذلك الأمر لا بد منه. قوله : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يحتمل أن إلى على بابها متعلقة بمحذوف تقديره ليجمعنكم في القبور ويحشرنكم إلى يوم القيامة ، ويحتمل أنها بمعنى اللام أو في أو زائدة. قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي في الجمع يوم القيامة ، أو في يوم القيامة الذي يحصل فيه الجمع. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) الذين مبتدأ ، وخسروا صلته ، وأنفسهم مفعول لخسروا ، وقوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) مبتدأ وخبر ، والجملة خبر المبتدأ. إن قلت : إن ظاهر الآية أن عدم الإيمان مسبب عن الخسران ، مع أن الخسران مسبب عن عدم الإيمان. أجيب : بأن المعنى الذين خسروا أنفسهم في علم الله أي قضى عليهم بالخسران أزلا ، فهم لا يؤمنون فيما لا يزال ، فالآية باعتبار ما في علم الله ، وأما تسبب الخسران عن عدم الإيمان فبحسب ما يظهر للعباد. قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ) هذا أيضا من جملة أدلة التوحيد ، زيادة في التشنيع على من كفر. قوله : (حل) أشار بذلك إلى أنه لا حذف في الآية ، وعليه جمهور المفسرين ، فمعنى حل وجد فيشمل الساكن والمتحرك ، وقيل إن سكن من السكون ضد الحركة ، وعليه ففي الآية حذف تقديره وما تحرك.
قوله : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ) رد لقولهم له كيف تترك دين آبائك ، وغير مفعول أول لاتخذوا قدمه اعتناء بنفي الغيرية ، ووليا مفعول ثان. قوله : (أعبده) تفسير لأتخذ ، فالمراد بالولي هنا المعبود ، ويطلق باشتراك على معان منها المعبود ولا يكون إلا الله ، وهو قوله تعالى : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) ويطلق على القريب والصاحب وعلى المنهمك في طاعة الله.
قوله : (فاطِرِ) بدل من لفظ الجلالة أو نعت. إن قلت إن فاطر اسم فاعل وإضافته لفظية لا تفيده التعريف ، ولفظ الجلالة أعرف المعارف ، وشرط النعت موافقته لمنعوته في التعريف. أجيب بأن محل كون