علمه (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) وهي الخمسة التي في قوله : (إن الله عنده علم الساعة) الآية كما رواه البخاري (وَيَعْلَمُ ما) يحدث (فِي الْبَرِّ) القفار (وَالْبَحْرِ) القرى التي على الأنهار (وَما تَسْقُطُ
____________________________________
أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضافين ، والتقدير والله أعلم بوقت عقوبة الظالمين ، فلا يستعجلوا ذلك ، فإنه لا حق بهم إن لم يتوبوا ، وإنما تأخيره من حلم الله عليهم ، فلو لا حلمه ما بقي أحد ، قال تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) فمن القبيح بعض العامة حلم الله يفتت الأكباد. إن قلت مقتضى هذه الآية أنه لو كان الأمر مفوضا له في تعذيبهم لعجله واستراح ، ومقتضى ما ورد من إتيان ملك الجبال يستشيره في أنه يطبق عليهم الأخشبين أنه لم يرض وقال أرجو أن يخرج من ذريتهم من يؤمن بالله فحصل التنافي. أجيب : بأن ما في الآية بالنظر لأصل البشرية ، لأن البشر يتأثر بالضر والنفع ، وما في الحديث إنما هو رحمة من الله ألقاها عليه فرحمهمالله بها ، قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) فرجع الأمر لله فتدبر.
قوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) لما بين سبحانه وتعالى أولا أنه منفرد بايجاد كل شيء خيرا كان أو شرا لقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) الآية ، بين ثانيا أنه منفرد بعلم الغيب بقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) فهو كالدليل لما قبله كأنه قال العذاب والرحمة بقدرة الله ، ولا يعلم وقت مجيء ذلك إلا الله لأن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، وعنده خبر مقدم ، ومفاتح الغيب مبتدأ مؤخر ، وتقديم الظرف يؤذن بالحصر وهو منصب على الجميع ، فلا ينافي أن بعض الأنبياء والأولياء يطلعه الله على بعض المغيبات الحادثة ، قال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وأما من قال إن نبينا أو غيره أحاط بالمغيبات علما كما أحاط علم الله بها فقد كفر. قوله : (خزائنه) أشار بذلك إلى أن مفاتح جمع مفتح بفتح فكسر كمخزن وزنا ومعنى العلوم المخزونة ، وقوله : (أو الطرق) أي فهو جمع مفتح بكسر ففتح بمعنى الطرق التي توصل إلى تلك العلوم المخزونة الغيبية (لا يَعْلَمُها) أي الخزائن أو الطرق تفصيلا إلا هو ، وأما علمنا فيها فهو على سبيل الإجمال ، وهو تأكيد لما علم من تقديم الظرف. قوله : (علم الساعة) أي وقت مجيئها وتفصيل ما يحصل فيها. قوله : (الآية) أي وهي : (يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي المطر ، أي لا يعلم وقت مجيئه وعدد قطراته ونفع الناس به إلا الله ، (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) ، أي من كونه ذكرا أو أنثى شقيا أو سعيدا يعيش أو يموت. (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) أي لا تعلم نفس ما يعرض لها في المستقبل من خير أو شر ، وغير ذلك من الأحوال التي تطرأ على الأنفس ، قال الشاعر :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عمى |
(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي بأي محل يكون قبض روحها فيه أو دفنها فيه ، إن الله عليم خبير ببواطن الأشياء كظواهرها ، وهذا التفسير لابن عبّاس ، وقال الضحاك ومقاتل : مفاتح الغيب خزائنه الخفية في الأرض ، والأقرب والأتم أن المراد بمفاتح الغيب الأمور المغيبة الخفية جميعها كانت الخمسة أو غيرها. قوله : (ما) (يحدث) (فِي الْبَرِّ) أي من خير أو شر. قوله : (القرى التي على الأنهار) أي فيعلم رزق أهلها وعددهم وغير ذلك ، وقال جمهور المفسرين : المراد البر والبحر المعروفان ، لأن جميع الأرض إما بر أو بحر ، وفي كل عوالم وعجائب وسعها علمه وقدرته.