ذلك وفي قراءة فارقوا أي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) فلا تتعرض لهم (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يتولاه (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) في الآخرة (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩) فيجازيهم به وهذا منسوخ بآية السيف (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي لا إله إلا الله (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي جزاء عشر حسنات (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي جزاءه (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦٠) ينقصون من جزائهم شيئا (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ويبدل
____________________________________
«من كان على ما أنا عليه وأصحابي». قوله : (فأخذوا بعضه) أي كما حكاه الله عنهم بقوله في سورة النساء : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ). قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي لست مأمورا بقتالهم ، وهذا ما مشى عليه المفسر من أنها منسوخة ، وقيل إنها محكمة ، والمعنى أنت بريء منهم ومن أفعالهم ، لقطع نسبهم منك بكفرهم. قوله : (فيجازيهم به) أي بفعلهم. قوله : (وهذا) أي قوله : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي يوم القيامة. قوله : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) هذا إخبار بأقل المضاعفة ، وإلا فقد جاء مضاعفة الحسنة بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ، واعلم أن المضاعفة تابعة للإخلاص ، فكل من عظم إخلاصه ، كانت مضاعفة حسناته أكثر ، ومن هنا قوله عليه الصلاة والسّلام : «الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا من بعدي ، فو الذي نفسي بيده ، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». وفسر الحسنة بلا إله إلا الله ، وهو أحد تفسيرين ، والآخر أن المراد بها كل ما أمر الله به ، فيشمل الذكر والصلاة والصدقة ، وغير ذلك من أنواع البر ، وهو الأولى ، لأنه أراد خصوص ما ينجي من الشرك ، فذلك جزاؤه دخول الجنة ، وإن أراد الذكر بها فلا مفهوم لها ، لأن العبرة بعموم اللفظ ، وأفرد في الحسنة والسيئة ، لأنه لو جمع لربما توهم أن الجزاء إجمالي ، بحيث يعطي في نظير حسناته كلها عشرة أمثالها ، بل الجزاء لكل فرد من أفراد الحسنات والسيئات ، لأن الحسنات تتفاوت ، فربما جوزي على بعضها عشرا وعلى بعضها أكثر. قوله : (أَمْثالِها) جمع مثل إن قلت : إنه مذكر ، فكان مقتضاه تأنيث العدد ، قال ابن مالك :
ثلاثة بالتاء قل للعشرة |
|
في عد ما آحاده مذكره |
في الضدد جرد الخ. |
وأجيب بأنه جرد التاء مراعاة لإضافة مثل لضمير الحسنة ، فكأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه ، أو يقال إن أمثال صفة لموصوف محذوف تقديره عشر حسنات أمثالها ، فجرد العدد من التاء مراعاة الموصوف المحذوف ، وإلى هذا الثاني أشار المفسر بقوله : (أي جزاء عشر حسنات). قوله : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أي الشرك على ما قال المفسر ، حيث فسر الحسنة بلا إله إلا الله ، أو ما هو أعم وهو الأولى. قوله : (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي إن مات غير تائب وجوزي ، وإلا فأمره مفوض لربه ، فإن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ، وأما ان مات تائبا فلا سيئة له ، لأنه من المحبوبين لله والمحبوب لا سيئة له ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) ، وقال عليه الصلاة والسّلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي العاملون للحسنات والسيئات. قوله : (ينقصون من جزائهم) هذا بالنظر لجزاء الحسنات ، أي ولا يزاد في سيئات أهل العقاب ، فالظلم نقص المحسن والزيادة في المسيء ، وتسميته ظلما