مذللات (بِأَمْرِهِ) بقدرته (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) جميعا (وَالْأَمْرُ) كله (تَبارَكَ) تعاظم (اللهُ رَبُ) مالك (الْعالَمِينَ) (٥٤) (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) حال تذللا (وَخُفْيَةً) سرا (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥٥) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالشرك والمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِها) ببعث الرسل (وَادْعُوهُ خَوْفاً) من عقابه (وَطَمَعاً) في رحمته (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) المطيعين وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لاضافتها إلى الله (وَهُوَ الَّذِي
____________________________________
قوله : (مذللات) أي مسيرات ، فحيث سيرها سارت ، وفي هذا رد على الفلاسفة القائلين بتأثير الكواكب في العالم السفلي ، فهي أسباب عادية توجد الأشياء عندها لا بها.
قوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ألا للاستفتاح يؤتى بها مبدأ الكلام البليغ الذي يقصد به الرد على المنكر ، والمراد بالخلق الإيجاد ، وبالأمر التصرف ، فهو منفرد بالإيجاد والتصرف فلا شريك له فيهما ، وتصرف الحادث إنما هو بتصريف الله له ، وليس لمخلوق استقلال بتصريف أبدا ، وإنما العبيد مظاهر التصريف ، فمن أكرمه أجرى جلب الخير ودفع الضر على يديه ، كمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء ، ومن أهانه أجرى الشرور على يده.
قوله : (تَبارَكَ) فعل ماض جامد لا يتصرف ، ومعناه تمجد وتنزه عن صفات الحدوث. قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) أمر لجميع العباد بالتوجه في الدعاء لله سبحانه وتعالى ، أي فحيث علمتم أن الله هو المتصرف في خلقه إيجادا وإعداما وإعطاءا ومنعا ، فوجهوا إليه قلوبكم واسألوه بألسنتكم ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى للدعاء أربعة شروط : التضرع والخفية والخوف والطمع. قوله : (حال) أي من الفاعل في : (ادْعُوا) أي ادعوا حال كونكم متضرعين متذللين ، لأن الدعاء إذا كان مع التذلل كان للإجابة أقرب. قوله : (سرا) أي باسماع نفسه ، لأن الله تعبدنا بالدعاء كما تعبدنا بالقراءة ، فلا يكفي مرور الدعاء على قلبه. واعلم أن الإنسان إذا كان وحده ، فالسر أفضل له إن كان ينشط في ذلك إلا فالجهر أفضل له كالجماعة. قوله : (بالتشدق) هو كثرة الكلام من غير حضور في القلب فهو راجع لقوله : (تَضَرُّعاً) وقوله : (ورفع الصوت) هو راجع لقوله : (وَخُفْيَةً). قوله : (خَوْفاً) الخوف غم يحصل من أمر مكروه يقع في المستقبل.
قوله : (وَطَمَعاً) الطمع توقع أمر محبوب يحصل في المستقبل ، ومنه رجاء الإجابة ، ففي الحديث : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» وفي الحديث أيضا : «ما من عبد يرفع يديه ويقول يا رب إلا ويستحي الله أن يردهما صفرين» فاستفيد من هذا أنه ينبغي للداعي الخوف والرجاء ، فيجعلهما كجناحي الطائر ، إن مال أحدهما سقط. قوله : (المطيعين) أي ولو بالتوبة ، فالمطلوب تقديم التوبة على الدعاء ليقع الدعاء من قلب طاهر ، فيكون أقرب للإجابة. قوله : (وتذكير قريب) جواب عما يقال إن : (قَرِيبٌ) في الأصل وصف في المعنى لرحمة وهي مؤنثة ، فكان حقه التأنيث. فأجاب بأنه اكتسب التذكير من المضاف إليه ، وهو لفظ الجلالة ، أو يقال : (إِنَّ رَحْمَتَ) مجازي التأنيث فيوصف بالمذكر ، أو يقال إن معنى الرحمة الثواب وهو مذكر فوصفه بالمذكر من حيث المعنى.