وقرىء بكسر اللام الكائنين (بِبابِلَ) بلد في سواد العراق (هارُوتَ وَمارُوتَ) بدل أو عطف بيان للملكين قال ابن عباس هما ساحران كانا يعلمان السحر وقيل ملكان أنزلا لتعليمه ابتلاء من الله للناس (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ) زائدة (أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا) له نصحا (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) بلية من الله للناس ليمتحنهم بتعليمه فمن تعلمه كفر ومن تركه فهو مؤمن (فَلا تَكْفُرْ) بتعلمه ، فإن أبى إلا التعليم علماه (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) بأن يبغض كلّا إلى الآخر (وَما هُمْ) أي السحرة (بِضارِّينَ بِهِ) بالسحر (مِنْ) زائدة (أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بإرادته (وَيَتَعَلَّمُونَ
____________________________________
ملكين حقيقيين وإنما هما رجلان صالحان ، وسميا بذلك لحسنهما وصلاحهما على حد ما قيل في يوسف (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم). قوله : (الكائنين) قدره إشارة إلى أن ببابل جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للملكين.
قوله : (بِبابِلَ) ممنوع من الصرف للعلمية ، أو العجمة مأخوذ من البلبلة لأن أهلها يتكلمون بثمانين لغة ، وأول من اختطها نوح وسماها ثمانين. قوله : (هارُوتَ وَمارُوتَ) هما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة ، ويجمعان على هواريت ومواريت ، أو على هوارية وموارية مأخوذان من الهرت والمرت وهو الكسر ، ولكن حيث قلنا إنهما أعجميان فلا يتصرف فيهما أحد ولا يعلم لهما اشتقاق. قوله : (هما ساحران) قدم هذا القول إشار لقوته وأنهما رجلان ساحران وليسا بملكين. قوله : (ابتلاء من الله) أي اختبارا وامتحانا ، وقصة هاروت وماروت على القول بثبوتها ، أن الملائكة لما رأوا أعمال بني آدم الخبيثة تصعد إلى السماء قالوا سبحانك يا ربنا خلقت خلقا وأكرمتهم وهم يعصونك ، فقال الله تعالى لهم لو ركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم فعلهم ، فقالوا سبحانك لا نعصيك أبدا ، فقال : اختاروا لكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلحهم ، فركب الله فيهما الشهوة وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والحكم بين الناس بالحق ، ونهاهما عن الشرك والقتل والزنا وشرب الخمر ، وعلمهما الله الإسم الأعظم ، فكان إذا أمسى الوقت صعدا به إلى السماء ، ثم إنه جاءت إليهما امرأة تسمى الزهرة وكانت جميلة جدا ، فلما وقع نظرهما عليها أخذت بقلوبهما فراوداها فأبت إلا أن يقتلا ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يشربا الخمر ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يسجدا للصنم ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الذي يصعدان به إلى السماء ففعلا ، فتلته فصعدت به إلى السماء فمسخها الله كوكبا فهي الزهرة المعروفة ، فلما علما ذلك أرادا تلاوة الاسم الأعظم فلم تطاوعهما أجنحتهما ، فذهبا إلى إدريس وسألاه أن يشفع لهما عند الله ففعل ذلك ، فخيرهما الله بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا لعلمهما بانقطاعه ، فهما ببابل معلقان بشعورهما يضربان بسياط من حديد إلى يوم القيامة ، مزرقة أعينهما مسودة جلودهما ، وما زالا يعلمان الناس السحر ، وقد اختلف في صحة هذه القصة وعدمها ، فاختار الحافظ ابن حجر الأول لورودها من عدة طرق عن الإمام أحمد بن حنبل ، واختار البيضاوي ومن تبعه الثاني لأنه لم تثبت روايتها إلا عن اليهود. قوله : (فمن تعلمه كفر) أي إن اعتقد صحته وتأثيره.
قوله : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) معطوف على وما يعلمان من أحد إن قلت إن الأول منفي والثاني مثبت وكيف يصح عطف المثبت على المنفي ، أجيب بأنه في المعنى مثبت التقدير ويعلمون الناس السحر قائلين لهم إنما نحن فتنة فلا تكفر. قوله : (وَما هُمْ) إلخ يحتمل أن ما حجازية وهم اسمها وبضارين خبرها