عَلَيْكُمْ شَهِيداً) أنه بلغكم (وَما جَعَلْنَا) صيرنا (الْقِبْلَةَ) لك الآن الجهة (الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) أولا وهي الكعبة وكان صلىاللهعليهوسلم يصلي اليها فلما هاجر أمر ياستقبال بيت المقدس تألفا لليهود فصلى اليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول (إِلَّا لِنَعْلَمَ) علم ظهور (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فيصدقه (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي وإنها (كانَتْ) أي التولية اليها (لَكَبِيرَةً) شاقة على الناس (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) منهم (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أي
____________________________________
قوله : (لِتَكُونُوا) اللام للتعليل وقيل للصيرورة وعلى كل فالفعل منصوب بأن مضمرة بعدها جوازا وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل. قوله : (أن رسلهم بلغتهم) هذا بيان للمشهود به قوله : (أنه بلغكم) هذا بيان لشهادة الرسول ، وحاصل ذلك أنه يوم القيامة توقف كفار الأمم السابقة في صعيد واحد ، ويقول الله لهم لم لم تؤمنوا بي ألم يأتكم نذير؟ فيقولون يا ربنا ما جاءنا نذير ، فيؤتى بأنبيائهم فيقول الله لهم وهو أعلم بهم لإقامة الحجة عليهم ، ومن يشهد لكم فيقولون أمة محمد فيؤتى بهم فيقول الله : أتشهدون أن الرسل بلغت الرسالة لأممهم فكفروا بهم ، فيقولون نعم نشهد بذلك ، فتقول الأمم كيف يشهدون علينا مع كونهم متأخرين عنا؟ فيقولون يا ربنا أخبرنا رسولنا بذلك في كتابنا عنك وهو صادق في خبره ، فيقول الله لهم ومن يزكيكم؟ فيقولون نبينا فيؤتى به فيقول أشهد أن أمتي عدول ، وقوله على الناس إن كان المراد بهم أمم الأنبياء السابقة فعلى على بابها ، وإن كان المراد بهم الأنبياء فعلى بمعنى اللام فهي مستعملة في حقيقتها ومجازها ، وقوله : (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) أي على كفاركم وسميت شهادة وإن كانت في الواقع دعوى لعدم ردها ، ويحتمل أن على بمعنى اللام والضمير عائد على العدول الشاهدين على الأمم السابقة من حيث تزكيته لهم.
قوله : (وَما جَعَلْنَا) اختلف في إعراب هذه الآية فدرج المفسر على أن قوله : (الْقِبْلَةَ) مفعول ثان لجعلنا مقدم ، وقوله : (الَّتِي) صفة لموصوف محذوف مفعول أول ، ودرج غيره على العكس وهو أن القبلة مفعول أول والتي صفة لموصوف محذوف مفعول ثان والأقرب الأول ، وحاصل ذلك أن رسول الله وهو بمكة كان يصلي للكعبة ، فما هاجر إلى المدينة أمر باستقبال بيت المقدس تأليفا لليهود فصلى لها سبعة عشر أو ستة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشم منهم الكبر فكانوا يقولون إن محمدا يفارق ديننا ويصلي لقبلتنا ، وكان رسول الله يحب أن يصلي للكعبة حتى نزل عليه جبريل يوما فقال له يا جبريل أود أن الله يحولني لقبلة أبي إبراهيم فسل ربك ذلك ، فقال له أنت أكرم عليه مني ، ثم صعد إلى السماء فصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر لجهتها منتظرا للإذن في ذلك ، فنزل عليه جبريل بعد ركعتين من صلاة الظهر في رجب بالأمر بالتحويل للكعبة فتحول وتحولت الناس معه. وكان يوما مشهودا فافتتن اليهود وأهل النفاق. قوله : (علم ظهور) جواب عما يقال إن علم الله قديم فلا يتجدد ، والمعنى ليظهر لكم متعلق علمنا بتمييز المؤمن من الكافر. قوله : (فيصدقه) أي يدوم على صدقه. قوله : (أي يرجع للكفر) أشار بذلك إلى أن قوله ممن ينقلب على عقبيه ليس على حقيقته ، لأن الانقلاب على العقب معناه الرجوع لخلف وليس مرادا بل هو كناية عن الرجوع للكفر ، نظير (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى). قوله : (وقد ارتد ذلك) أي التحويل والمعنى ظهر كفرهم ، وإلا فمتى صبغ القلب بالإيمان فلا يزول لأن الكريم إذا منّ تمم. قوله : (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي فكان عيدا لهم حتى صار