كَأَنْ) أي كأنهم (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا أو القبور (إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) لهول ما رأوا وجملة التشبيه حال من الضمير (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال ، والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) بالبعث (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥) (وَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) به من العذاب في حياتك ، وجواب الشرط محذوف أي فذاك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل تعذيبهم (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) مطلع (عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٤٦) من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم (رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) إليهم فكذبوه (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧) بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالعذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٨) فيه
____________________________________
الكسب ، يقال : لا يسأل عما يفعل.
قوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي نجمعهم للحساب ، والضمير عائد على المشركين المنكرين للبعث ، والمعنى ويوم نجمع المشركين في القيامة ، ويعرف بعضهم بعضا ، حال كونهم في وقت حشرهم ، مشبهين بمن لم يلبثوا إلا زمنا قليلا من النهار. قوله : (لهول ما رأوا) أي فسبب ذلك ، يعد الزمن السابق عليه يسيرا ، إن كان في نفسه طويلا. قوله : (حال من الضمير) أي في (يَحْشُرُهُمْ). قوله : (إذا بعثوا) دفع بذلك ما يقال : إن هذا معارض لقوله فلا أنساب بينهم. وحاصل الجواب : أنهم يتعارفون أولا ، فإذا اشتد الهول نسي بعضهم بعضا. قوله : (والجملة حال) أي من الواو في (يَلْبَثُوا) أو من الضمير في (يَحْشُرُهُمْ) وعلى هذا فالظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر. قوله : (أو متعلق الظرف) أي فهو معمول له ، والتقدير يتعارفون وقت حشرهم. قوله : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا) هذا إخبار من الله بحالهم الشنيع. قوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) معطوف على جملة (قَدْ خَسِرُوا) المعنى وما كانوا واصلين للجنة أبدا.
قوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) هذا تسليه له صلىاللهعليهوسلم ، كأن الله يقول له : لا تحزن ، فإما نرينك عقوبتهم في حياتك ، أو نؤخرهم إلى يوم القيامة ، فهم لا يفلتون من عذابنا على كل حال ، فاصبر ولا تضق ، فإن الأمر لنا فيهم. قوله : (فذاك) أي هو المراد ، وقد حصل ذلك ؛ بأن بلغ الله نبيه الآمال فيمن عاداه ، بسبب تسليمه الأمر فيهم لمالكهم ، وهكذا يفعل الله بالظالم ، إذا سلم المظلوم أمره لسيده ، ولم يعترض على افعاله ، وصبر على أحكامه ، فبهذا ينال رضا الله ، ويظفر بمطلوبه ممن ظلمه. وفي هذا المعنى قلت :
أرح قلبك العاني وسلم له القضا |
|
تفز بالرضا فالأصل لا يتحول |
علامة أهل الله فينا ثلاثة |
|
إيمان وتسليم وصبر مجمل |
قوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) هذا هو جواب الشرط. قوله : (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) ثم لترتيب الأخبار ، لا للترتيب الزماني.
قوله : (رَسُولٌ) أي أرسله الله لهم. قوله : (فكذبوه) قدره إشارة إلى أن قوله : (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) مرتب على محذوف لا على قوله : (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ). قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لأن تعذيبهم بسبب كسبهم ، لما تقدم أن الرحمة تأتي من غير سابقة تقتضيها ، وأما العذاب فلا بد وأن