والرحمة (فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨) من الدنيا بالياء والتاء (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (ما أَنْزَلَ اللهُ) خلق (لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) كالبحيرة والسائبة والميتة (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) في ذلك بالتحليل والتحريم لا (أَمْ) بل (عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩) تكذبون بنسبة ذلك إليه (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي أي شيء ظنهم به (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بإمهالهم والإنعام عليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
____________________________________
والشراب والحميا ، لأن بها السكر والفناء عما سوى الله تعالى ، قال العارف رضي الله عنه :
شربنا على ذكر الحبيب مدامة |
|
سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم |
وقال العارف :
ولا تنظر لجسمي يا عذولي |
|
فإن الجسم مطلوبي سلاه |
ولا تنكر شراب حمى قلبي |
|
فإن القلب محبوبي سقاه |
وقال العارف موضحا لهذه الخمرة :
فتلك خمر الشهود تدعى |
|
لا خمرة الكرم والدنان |
ومن ذلك المعنى قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل محبته ، وأن يحشرنا في زمرة أهل قربه ومودته. قوله : (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي من الدنيا وزخارفها وأبهمها إشارة إلى أنها خسيسة لا تساوي جناح بعوضة. قوله : (بالياء والتاء) راجع لقوله : (يَجْمَعُونَ) وأما (فَلْيَفْرَحُوا) فالتاء عشرية والياء سبعية. قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أشار المفسر إلى أن (أَرَأَيْتُمْ) بمعنى (أخبروني) وحينئذ فتنصب مفعولين : الأول الموصول وصلته ، والثاني جملة (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) و (قُلْ) تأكيد للأولى ، وليست من جملة المفعول الثاني. قوله : (كالبحيرة والسائبة) مثالان للحرام ، وتقدم أن البحائر والسوائب نعم يوقفونها على الأصنام ، يحرمون ظهورها ونتاجها وألبانها ولحومها ، وقوله : (والميتة) مثال للحلال. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (أَمْ) (بل) أشار المفسر إلى أنها منقطعة بمعنى (بل) ويصح أن تكون متصلة معادلة للهمزة ، والمعنى أخبروني أحصل إذن من الله لكم ، أم ذلك افتراء منكم وكذب ، فهو استفهام لطلب التعيين وهو الأولى.
قوله : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ ما) اسم استفهام مبتدأ ، و (ظَنُ) خبره ، و (يَوْمَ) ظرف متعلق بظن ، والمعنى أي شيء ظنهم بالله يوم القيامة. قوله : (أيحسبون) إلخ. قدر المفسر هذه الجملة ، إشارة إلى أن مفعولي الظن محذوفان فهذه الجملة سدت مسدّهما. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري أي لا ينبغي هذا الظن ، ولا يليق ولا ينفع ، وأما قوله في الحديث : «أنا عند ظن عبدي بي» فذلك في حق المؤمن ، فظن الخير بالله ينفع المؤمن ، وأما الكافر فلا ينفعه ذلك ما دام على كفره. قوله : (لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أي الطائع منهم والعاصي ، وذلك في الدنيا ، فنعم الدنيا ليست تابعة للتقوى ، بل هي ثابتة بالقسمة الأزلية للمؤمن والكافر. قوله : (بإمهالهم) أي تأخير عذابهم. قوله : (والإنعام عليهم) أي بأنواع النعم ، كالعقل والسمع والبصر وغير ذلك. قوله : (لا يَشْكُرُونَ) أي لا يصرفون النعم في مصارفها ، وحينئذ فلا تنفعهم تلك النعم ، إلّا إذا صحبها الإيمان والشكر ، فإن عدموا الإيمان صارت النعم نقما ، وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يفيد أن القليل هو الشاكر وهو كذلك. قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).