آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣) الله بامتثال أمره ونهيه (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فسرت في حديث
____________________________________
وجسمه ودنياه ، أو بمعنى مفعول ، أي تولى الله إكرامه وعطاياه ونفحاته ، فلم يكله لشيء سواه ، فحيث تولى الخدمة ، تولاه الله بالنعمة والنفحة ، وهو سر قوله في الحديث : «يا دنيا من خدمني فاخدميه» فحينئذ صار معنى الولي المنهمك في طاعة ربه ، الذي أفيضت عليه الأنوار والأسرار ؛ لما ورد «من تقرب مني شبرا ، تقربت منه ذارعا ، ومن تقرب مني ذراعا ، تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة» وعلامة الولي كما في الحديث : «سئل رسول الله عن علامة الأولياء فقال : هم الذين ادارؤوا ذكر الله تعالى» وسبب ذلك ظهور أنوار المعرفة الكائنة في قلوبهم على ظواهرهم وذلك سر قوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) وقال أبو بكر الأصم : أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم ، وتولوا القيام بحق العبودية لله تعالى والدعوة إليه ، والولي من الولاء ، وهو القرب والنصرة فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بكل ما افترض الله عليه ، ويكون مشتغلا بالله ، مستغرق القلب في نور معرفة جلال الله تعالى ، فإن رأى ، رأى دلائل قدرة الله ، وإن سمع ، سمع آيات الله ، وإن نطق ، نطق بالثناء على الله ، وإن تحرك ، تحرك في طاعة الله ، وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى الله ، لا يفتر عن ذكر الله ، ولا يرى بقلبه غير الله ، فهذه صفات أولياء الله ، وإذ كان العبد كذلك ، كان الله وليه وناصره ومعينه ، قال تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا). وروي عن ابن مالك الأشعري قال : «كنت عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن لله عبادا ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء ، بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة ، قال : وفي ناحية القوم أعرابي ، فجثا على ركبته ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم ، من هم؟ قال : فرأيت في وجه رسول الله البشرى ، فقال : هم عباد من عباد الله ، ومن بلدان شتى ، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، ولا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا ، وجعل له منابر من لؤلؤة قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون». وروي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن من عباد الله أناسا ، ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله ، قالوا : يا رسول الله تخبرنا بأمرهم؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله ، على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فو الله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، وقرأ هذه الآية (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)». وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله تعالى : إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم».
قوله : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لحفظ الله لهم في الدنيا من الأسباب التي توجب الخوف والحزن في الآخرة. قوله : (في الآخرة) أي لما في الحديث : «لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس». قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) قدر المفسر (هم) إشارة إلى أن الاسم الموصول خبر لمبتدأ محذوف ، وهذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره ما صفات أولياء الله؟ فأجاب : بأنهم الذين اتصفوا بالإيمان والتقوى ، والمعنى أن أولياء الله هم الذين اتصفوا بالإيمان ، وهو الاعتقاد الصحيح المبني على الدلائل القطعية والتقوى ، وهي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات على طبق الشرع ، ولذا قال القشيري : شرط الولي أن يكون محفوظا ، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما ، فكل من كان للشرع عليه اعتراض ، فهو مغرور مخادع ، وقال الإمام الشافعي وأبو حنيفة : إذا لم تكن العلماء أولياء الله ، فليس