صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له (وَفِي الْآخِرَةِ) الجنة والثواب (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا خلف لمواعيده (ذلِكَ) المذكور (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٤) (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) لك لست مرسلا وغيره (إِنَ) استئناف (الْعِزَّةَ) القوة (لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ) للقول (الْعَلِيمُ) (٦٥) بالفعل فيجازيهم وينصرك (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) عبيدا وملكا
____________________________________
لله ولي ، وذلك في العالم العامل بعلمه. قوله : (فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة) إلخ. أي لأنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة. وفي الحديث : «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» وقيل : المراد بالبشرى في الحياة الدنيا ، نزول الملائكة بالبشارة من عند الله عند الموت ، ويدل عليه قوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقيل : البشرى في الحياة الدنيا الثناء الحسن ، ومحبة الخلق لهم ، لما ورد عن أبي ذر : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ، ويحمده الناس عليه ، قال : «عاجل بشرى المؤمن» وورد أيضا «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل فيقول له : إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض» قال بعض المحققين : إذا اشتغل العبد بالله عزوجل استنار قلبه وامتلأ نورا فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه ، فيظهر عليه آثار الخشوع والخضوع ، فيحبه الناس ويثنون عليه ، فتلك عاجل بشراه ، بمحبة الله له ورضوانه عليه ، وقيل : البشرى في الحياة الدنيا ظهور الكرامات وقضاء الحوائج بسهولة ، فكلما توجه العبد المحبوب لشيء من أموره قضى عاجلا ، والأحسن أن يراد بالبشرى في الدنيا جميع ما تقدم وأعظمها التوفيق لخدمة الله ، وراحة الجسد في طاعة الله ، وانشراح الصدر لذلك ، وأما البشرى في الآخرة فالجنة وما فيها من النعيم الدائم ، قال تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.) قوله : (لا خلف لمواعيده) أي التي وعد الله بها أولياءه وأهل طاعته ، في كتابه وعلى ألسنة رسله ، والمعنى لا تغيير لذلك الوعد. قوله : (ذلِكَ) أي الوعد المتقدم من كونهم (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) وكون هذا الوعد لا يتغير ولا يتبدل. قوله : (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الظفر بالمقصود الكامل الذي لا يضاهى.
قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ) إما بفتح الياء وضم الزاي من باب نصر ، أو بضم الياء وكسر الزاي من باب أكرم ، قراءتان سبعيتان ، والمعنى لا تهتم بأقوالهم ولا تحزن لها ، فإن الله معزك وناصرك ، وهذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم عما يلقاه من أذاهم ، وتبشير له بالنصر والظفر بالمقصود. قوله : (استئناف) أشار بذلك إلى أن الوقف تم عند قوله : (قَوْلُهُمْ) وقوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ) إلخ. كلام مستأنف من كلام الله تعالى في قوة التعليل لقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) أو واقع في جواب سؤال مقدر تقديره : إن الله أمره بعدم الحزن من أجل قولهم ، مع أن أقوالهم توجب الحزن ، فأجاب الله تعالى : بأن العزة لله يعطيها لمن يشاء ، فأقوالهم لا تفيد شيئا ، فحينئذ لا يبالي بهم ولا بقولهم.
قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) أي الغلبة والسلطنة الكاملة ثابتة لله ، يخلعها على من يشاء ، ولذا قال في سورة المنافقون (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) قوله : (جَمِيعاً) حال من العزة. قوله : (فيجازيهم) أي