أن الملائكة بنات الله (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) قال تعالى لهم (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن الولد (هُوَ الْغَنِيُ) عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (إِنْ) ما (عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) حجة (بِهذا) الذي تقولونه (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٦٨) استفهام توبيخ (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بنسبة الولد إليه (لا يُفْلِحُونَ) (٦٩) لا يسعدون لهم (مَتاعٌ) قليل (فِي الدُّنْيا) يتمتعون به مدة حياتهم (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) بالموت (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) بعد الموت (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠) (وَاتْلُ) يا محمد (عَلَيْهِمْ) أي كفار مكة (نَبَأَ) خبر (نُوحٍ) ويبدل منه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ) شق (عَلَيْكُمْ مَقامِي) لبثي فيكم (وَتَذْكِيرِي) وعظي إياكم (بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ
____________________________________
(اللهِ) (ومن زعم) أي وهم مشركو العرب. قوله : (سُبْحانَهُ) أي تقدس وتنزه عن ذلك ، قال تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) الآية. قوله : (هُوَ الْغَنِيُ) أي المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه ، وهو دليل لما قبله.
قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) إلخ. دليل لقوله : (هُوَ الْغَنِيُ). قوله : (استفهام توبيخ) أي تقريع وتهديد لهم. قوله : (قُلْ) أمر من الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، أن ينبههم على سوء عاقبتهم ، لعلهم ينزجرون عما هم عليه. قوله : (لا يسعدون) أي لا يفوزون بمطلوبهم ، بل هم خائبون خاسرون ، وإن تكاثرت عليهم النعم فمآلها للزوال. قوله : (مَتاعٌ) مبتدأ خبره محذوف ، قدره المفسر بقوله : (لهم) وحينئذ فالوقف على قوله : (لا يُفْلِحُونَ) وهذا جواب عما يقال : إنا نراهم في حظوظ كثيرة ، وسعة عيش وسلامة بدن ، وغير ذلك من أنواع النعم الدنيوية ، فدفع ذلك بقوله : (مَتاعٌ) (قليل) فلا يستمر ، وليس بنافع في الآخرة. قوله : (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بسبب كفرهم.
قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) لما ذكر سبحانه وتعالى ، أحوال كفار قريش ، وما كانوا عليه من القبائح ، وما وعظهم الله به على لسانه صلىاللهعليهوسلم ، شرع في ذكر ما وقع للأنبياء مع أممهم ، ليكون ذلك تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، وعبرة للكفار لعلهم يؤمنون. قوله : (نَبَأَ نُوحٍ) أي بعض نبئه ، إذ لم يذكر جميع خبره ، وتقدم أن اسمه عبد الغفار بن لمك بن متوشلخ بن إدريس ، ونوح لقبه ، وبينه وبين إدريس ألف سنة ، وقدم قصة قوم نوح ، لأنهم أول الأمم هلاكا ، وأشدهم كفرا. قوله : (كَبُرَ) بضم الباء في المعاني ، وأما في الأجسام فهو بكسر الباء. قوله : (مَقامِي) بفتح الميم باتفاق السبعة ، وقرىء شذوذا بضمها ، فالأول ثلاثي ، والثاني رباعي ، وهو من باب الإسناد المجازي ، وحق الإسناد أن يكون للذات ، نظير ثقل عليّ ظله. قوله : (لبثي فيكم) أي مكثي بينكم. قوله : (وَتَذْكِيرِي) إلخ. الواو بمعنى مع ، والمعنى إن كان عظم عليكم مكثي بينكم ، مع تذكيري بآيات الله ، فأجمعوا أمركم إلخ ، وذلك لأنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، يدعوهم إلى توحيد الله ، ففي الحقيقة الذي شق عليهم ، إنما هو دعاؤه إلى التوحيد ، ونصيحته لهم ، لأن النصيحة لا يقبلها إلا الطبع السليم. قوله : (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) أي وثقت به لا بغيره ، وفوضت أموري إليه.