وصالح (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) المعجزات (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي قبل بعث الرسل إليهم (كَذلِكَ نَطْبَعُ) نختم (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤) فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) قومه (بِآياتِنا) التسع (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان بها (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (٧٥) (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) (٧٦) بين ظاهر (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) إنه لسحر (أَسِحْرٌ هذا) وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧) والاستفهام في الموضعين للإنكار (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) لتردنا (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) الملك (فِي
____________________________________
بعث إلى قومه. قوله : (كإبراهيم) أي فكذبوه وآذوه ، حتى رموه في النار. قوله : (وهود) أي فكذبوه وآذوه ، فأهلكهم الله. قوله : (فَجاؤُهُمْ) أي جاء الأنبياء لأقوامهم ملتبسين بالآيات.
قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أي لا يصح ولا يستقيم لهؤلاء الإيمان ، فالمراد بعدم الإيمان ، الإصرار على الكفر والتكذيب. قوله : (كَذلِكَ) أي مثل هذا الطبع. قوله : (فلا تقبل الإيمان) أي لوجود الحجاب المانع منه ، ففي الحقيقة لا يمكنهم الإيمان ، إن كانوا في الظاهر مختارين. قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) هذا عطف قصة على قصة ، وخاص على عام ، لمزيد الغرابة في وقائع موسى مع فرعون ، وكل هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم. قوله : (مُوسى وَهارُونَ) أي فكل منهما رسول إلى فرعون وقومه ، لكن هارون وزير لموسى ومعين له ، قال تعالى حكاية عن موسى : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) الآية. وهذا لا ينافي أن كلا منهما رسول من عند الله ، فمن أنكر رسالة واحد منهما كفر.
قوله : (وَمَلَائِهِ) تقدم أن الملأ بالقصر والهمز ، الأشراف الذين يملؤون العيون بمهابتهم ، والمجالس بأجسامهم ، والقلوب بجلالهم ، ولكن المفسر فسرهم هنا بالقوم ، فحينئذ يكون المراد بهم ما يشمل الأتباع ، وقيل المراد بالملإ خصوص الأشراف ، وخصوا بالذكر لأن غيرهم تبع لهم ، فإذا آمن الرؤساء آمن الأتباع ، وإذا كفروا كفر الأتباع. قوله : (التسع) تقدم منها في الأعراف ثمانية : العصا واليد والسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وستأتي التاسعة هنا في قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) الآية. قوله : (فَاسْتَكْبَرُوا) الاستكبار ادعاء الكبر من غير استحقاق له. قوله : (عن الإيمان بها) أي بتلك الآيات التسع ، وفي نسخة بهما ، أي موسى وهارون.
قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) أي الآيات التسع ، ففيه إظهار في مقام الإضمار ، وفي الحقيقة أصل نزاعهم ودعواهم ، أن ما جاء به سحر ، إنما هو في اليد والعصا. قوله : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) هذه المقالة وقعت منهم بعد مجيء السحرة ، وابتلاع العصا حبال السحرة وعصيهم. قوله : (قالَ مُوسى) أي ردا عليهم بثلاث جمل ، الأولى : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) (إنه لسحر) الثانية : (أَسِحْرٌ هذا). الثالثة : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ). قوله : (إنه لسحر) مقول لقوله : (أَتَقُولُونَ) حذف لدلالة ما قبله عليه ، ولأنه لا ينبغي أن يذكر. قوله : (وقد أفلح من أتى به) الجملة حالية. قوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي لا يفوزون بمطلوبهم ، والجملة حالية من فاعل (أَتَقُولُونَ). قوله : (للإنكار) أي فالمعنى لا يليق ، ولا ينبغي أن يقال هذا الكلام.