إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ) لحقهم (فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) مفعول له (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠) كرره ليقبل منه فلم يقبل ودس جبريل في فمه من حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له (آلْآنَ) تؤمن (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) بضلالك وإضلالك عن
____________________________________
أربعين سنة من حين الدعوة ، وهذا التأخير لحكمة يعلمها الله.
قوله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) إلخ لما استجاب الله دعاء موسى وهارون ، بالطمس على أموالهم ، والربط على قلوبهم ، أوحى الله إلى موسى وهارون ، أن أسر بعبادي ، واخرج بهم من أرض مصر ، وورد أن يعقوب لما دخل مصر مع ذريته ، لاجتماعهم بيوسف ، كانوا اثنين وسبعين ، فلما خرج موسى بهم ، كانوا ستمائة الف ، وكان فرعون غافلا عن ذلك ، فلما سمع أنهم خرجوا وعزموا على مفارقة مملكته ، خرج في عقبهم ، فلما أدركهم قالوا لموسى : أين المخلص ، والبحر أمامنا والعدو وراءنا ، فلما قربوا ، أوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق ، فقطعه موسى وبنو إسرائيل ، فلحقهم فرعون وكان على حصان أدهم ، وكان معه ثمانمائة الف حصان على لون حصانه ، سوى سائر الألوان ، وكان يقدمهم جبريل على فرس أنثى ، وميكائيل يسوقهم حتى لا يبقى منهم أحد ، فدنا جبريل بفرسه ، فلما وجد الحصان ريح الأنثى ، لم يتمالك فرعون نفسه ، فنزل البحر وتبعه جنوده ، حتى إذا اكتملوا جميعا في البحر ، وهم أولهم بالخروج ، انطبق عليهم ، وحصان بوزن كتاب ، وجمعه حصن ككتب ، كذا في القاموس.
قوله : (وَجاوَزْنا) من المجاوزة وهي التخطية والتعدية ، والمعنى جعلناهم مجاوزين البحر ، بأن جعلناه يبسا وحفظناهم حتى بلغوا الشط. قوله : (الْبَحْرَ) أي بحر السويس. قوله : (لحقهم) أي مشى خلفهم. قوله : (بَغْياً) أي في الأقوال (وَعَدْواً) ، أي في الأفعال ففرعون متعد على بني إسرائيل ، بالأقوال الكاذبة والأفعال الجائرة. قوله : (مفعول له) أي لأجله ، ويصح نصبهما على الحال ، أي باغين ومتعدين.
قوله : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) غاية لاتباعه. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (استئنافا) أي واقعا في جواب سؤال مقدر ، أو على إضمار القول ، والتقدير قائلا إنه إلخ. قوله : (كرره ليقبل منه) أي كرر الإقرار بالإيمان ثلاث مرات. قوله : (آمَنْتُ) ، وقوله : (أَنَّهُ) إلخ ، وقوله : (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). قوله : (فلم يقبل) أي فمات على كفره ، وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، وما قيل من أنه مات مؤمنا ، فلا يلتفت له. قوله : (ودس جبريل) أي بأمر من الله ، وهو لا يسأل عما يفعل ، وذلك نظير أمرنا بقتل الكفار ، وبهذا تعلم جواب إشكال الفخر الرازي في هذا المقام. قوله : (من حمأة البحر) بسكون الميم وتحريكها ، وهي الطين الأسود. قوله : (مخافة أن تناله الرحمة) أي وليس من أهلها لسابق علم الله بعدم إيمانه. إن قلت : ما الحكمة في عدم قبوله مع كون الإيمان وقع منه ثلاث مرات؟ أجيب بأجوبة ، منها : أنه إنما آمن عند نزول العذاب ، وهو حينئذ غير نافع ، قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ومنها : أن الإيمان بالله ، من غير إقرار للرسول بالرسالة غير نافع ، وفرعون لم