(فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) التوراة (مِنْ قَبْلِكَ) فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه ، قال صلىاللهعليهوسلم لا أشك ولا أسأل (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (٩٤) الشاكين فيه (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٩٥) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ) وجبت (عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) بالعذاب (لا يُؤْمِنُونَ) (٩٦) (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧) فلا ينفعهم حينئذ (فَلَوْ لا) فهلا (كانَتْ قَرْيَةٌ) أريد أهلها (آمَنَتْ) قبل نزول العذاب بها (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا) لكن (قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا) عند رؤية العذاب ولم يؤخروا إلى
____________________________________
جواب عما يقال إن الشك محال على رسول الله فأجاب بأنه على فرض المحال ، وأجيب أيضا بأن الخطاب له والمراد غيره ، وهذا هو الأتم في تلك الآيات.
قوله : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ) إلخ أي فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم. قوله : (يخبروك) محزوم في جواب الأمر وهو اسأل. قوله : (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُ) أي اليقين من الخبر بأنك رسول الله حقا ، وهذا كلام منقطع عما قبله وفيه معنى القسم تقديره والله لقد جاءك الحق إلخ. قوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) أي دم على ما أنت عليه من عدم الشك والإمتراء قوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي ثبت حكمه وقضاؤه بموتهم على الكفر فلا يأتي منهم الإيمان أصلا إذ لا معقب لحكمه سبحانه وتعالى. قوله : (حَتَّى يَرَوُا) غاية في النفي. قوله : (فلا ينفعهم حينئذ) أي كفرعون وأضرابه.
قوله : (فَلَوْ لا) أشار المفسر بقوله : (هلا) إلى أنها تحضيضية ، وهو للتوبيخ مع النفي ، وكان فعل ماض تام ، و (قَرْيَةٌ) فاعلها ، و (آمَنَتْ) صفة قرية ، وقوله : (فَنَفَعَها) معطوف على (آمَنَتْ) عطف مسبب على سبب ، والمعنى لم تكن قرية من تلك القرى التي تقدمت قوم يونس كقوم نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى آمنت ، فيتسبب على إيمانها كونه نافعا لها ، والحاصل : أن الآية تضمنت تحضيضا وتوبيخا ونفيا ، فالنفي راجع لمن مضى ، والتوبيخ والتحضيض راجعان لمن يسمع. قوله : (أريد أهلها) أشار بذلك إلى أن في الكلمة مجازا مرسلا من باب تسمية الحال باسم المحل ، لا مجازا بالحذف.
قوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) أشار المفسر إلى أن الاستثناء منقطع ، حيث عبر بلكن ، وضابط الاستدراك موجود ، وهو رفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه ، فأتى به هنا لدفع توهم أنهم كغيرهم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب ، فرفع ذلك التوهم ، بأن قوم يونس آمنوا قبل نزول العذاب ، بل عند حضور أماراته ، ولذلك نفعهم إيمانهم ، وأما غيرهم ، فلم يؤمن قبل نزوله ، أعم من أن يكون آمن وقت نزوله ، أو لم يؤمن أصلا. قوله : (ولم يؤخروا إلى حلوله) أي بل عجلوا الإيمان عند ظهور أماراته وحاصل قصتهم ، على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم ، قالوا : إن قوم يونس كانوا بقرية تسمى نينوى من أرض الموصل ، وكانوا أهل كفر وشرك ، فأرسل الله عزوجل إليهم يونس عليهالسلام ، يدعوهم إلى الإيمان بالله ، وترك عبادة الأصنام ، فدعاهم فأبوا عليه ، فقيل له أخبرهم أن العذاب يصحبهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنا لم نجرب عليه كذبا قط ، فانظروا ، فإن بات فيكم فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم ؛ فلما كان جوف الليل ، خرج يونس من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب ، فكان فوق رؤوسهم. قال ابن عباس : إن العذاب كان أهبط على قوم يونس ، حتى لم