الْمُشْرِكِينَ) (١٠٥) (وَلا تَدْعُ) تعبد (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) إن عبدته (وَلا يَضُرُّكَ) إن لم تعبده (فَإِنْ فَعَلْتَ) ذلك فرضا (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ) (١٠٦) يصبك (اللهُ بِضُرٍّ) كفقر ومرض (فَلا كاشِفَ) رافع (لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ) دافع (لِفَضْلِهِ) الذي أرادك به (يُصِيبُ بِهِ) أي بالخير (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧) (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي أهل مكة (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لأن ثواب اهتدائه له (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لأن وبال ضلاله عليها (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٨) فأجبركم على الهدى (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) على الدعوة وأذاهم (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) فيهم بأمره (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩) أعدلهم وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية.
____________________________________
لغير الله ظاهرا وباطنا ، يكون كله لله ، فلا يشرك معه غيره أصلا ، لا في الظاهر ، ولا في الباطن ، فكما أن الخالق لا شريك له فيما خلقه ، كذلك ينبغي للمخلوق أن لا يشرك في عبادته غيره.
قوله : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره. قوله : (فرضا) جواب عما يقال : إن عبادة النبي غير الله مستحيلة ، فكيف يخاطب بذلك ، أجاب المفسر : بأن ذلك على سبيل الفرض والتقدير وأجيب أيضا : بأن الخطاب له والمراد غيره. قوله : (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أي لا دافع ولا مانع له ، إلا الله حقيقة ، فنسبة النفع أو الضر لغير الله ، باعتبار أن الله أجرى على أيديهم ذلك ، لا باعتبار أنهم الخالقون له ، فإن ذلك لهم من هذه الحيثية كفر.
قوله : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) عبر في جانب الخير بالإرادة دون المس ، إشارة إلى أن الخير ، لا يتوقف إتيانه على سبب وتهيىء من العبد ، بخلاف الضرر ، فلا بد من تقدم سببه ، قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ). قوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ) أي الستار للذنوب الماحي لها. قوله : (الرَّحِيمُ) أي المنعم الغفور المنجي من النار ، بسبب محو الذنوب ، والرحيم المدخل للجنة بسبب الإنعام والإحسان. قوله : (الْحَقُ) أي القرآن ومن جاء به ، وهو النبي صلىاللهعليهوسلم. قوله : (لأن ثواب اهتدائه له) أي فلا يصل لله ممن كفر ضر ، ولا ممن آمن نفع ، تنزه سبحانه وتعالى عن أن يتكمل بمخلوق. قوله : (لأن وبال ضلاله عليها) أي عذاب ضلاله على نفسه ، فلا يشاركه أحد لا في هداية نفسه ، ولا في ضلاله ، بل كل امرىء بما كسب رهين. قوله : (بِوَكِيلٍ) أي بحفيظ موكول إلى أمركم ، وإنما أنا بشير. قوله : (فأجبركم على الهدى) أي أكرهكم عليه.
قوله : (ما يُوحى إِلَيْكَ) أي من القرآن. قوله : (على الدعوة) أي دعائك إياهم للإيمان. قوله : (وأذاهم) أي لك ، فكان رسول الله يسمع سبه بأذنه ولا يتكلم قوله : (أعدلهم) أي فلا يخطىء في حكمه أصلا ، وأما غيره فتارة يخطىء في حكمه ، وتارة يعدل ، فأفعاله سبحانه وتعالى دائرة بين الفضل والعدل ، فإثابته المؤمن بالفضل ، وتعذيبه العاصي بالعدل. قوله : (بالقتال) أي الجهاد ، وأشار المفسر بذلك إلى قول ابن عباس : إن هذه الآية منسوخة بآية القتال ، والله أعلم.