من كان على بينة من ربه (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي القرآن فلهم الجنة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) جميع الكفار (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) شك (مِنْهُ) من القرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي أهل مكة (لا يُؤْمِنُونَ) (١٧) (وَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك والولد إليه (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) يوم القيامة في جملة الخلق (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨) المشركين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دين الإسلام (وَيَبْغُونَها) يطلبون السبيل (عِوَجاً) معوجة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ) تأكيد (كافِرُونَ) (١٩) (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) الله (فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (مِنْ أَوْلِياءَ) أنصار يمنعونهم من عذابه (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) بإضلالهم غيرهم (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) للحق (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٢٠) أي لفرط
____________________________________
(وَرَحْمَةً) أي إحسانا ولطفا لمن أنزل إليهم. قوله : (أي من كان على بينة من ربه) أشار بذلك إلى أن اسم الإشارة عائد على قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ).
قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) اسم الموصول راجع لقوله : (كمن ليس كذلك) فهو لف ونشر مرتب. قوله : (فَلا تَكُ) أصله تكون ، دخل الجازم فسكنت النون فالتقى ساكنان ، حذفت الواو لالتقائهما ، وحذفت النون تخفيفا. قوله : (فِي مِرْيَةٍ) بكسر الميم باتفاق السبعة ، وقرىء شذوذا بضمها وهي لغة قليلة ، وهو خطاب للنبي والمراد غيره. قوله : (إِنَّهُ الْحَقُ) أي الثابت والذي لا محيص عنه. قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يفيد أن الأقل مؤمن ، وهو كذلك في كل زمن إلى يوم القيامة ، وإنما خص المفسر أهل مكة ، لكون أصل الخطاب لهم. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، وهذا شروع في ذكر أوصافهم ، وقد ذكر منها هنا أربعة عشر وصفا أولها قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ) وآخرها قوله : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).
قوله : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) أي عرض فضيحة وهتك ستر. قوله : (وهم الملائكة) أي والنبيون والأصفياء. قوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ) هذا من كلام الله تعالى بقوله لهم يوم القيامة ، فيطردون بذلك عن الرحمة الصالحة في الآخرة ، وليس المراد أنهم يطردون عن رحمة الدنيا. قوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام ، والمعنى أنهم كما ضلوا في أنفسهم ، يضلون غيرهم. قوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي ينسبونها للاعوجاج ، والحال أنه قائم بقلوبهم.
قوله : (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) أي فارين من عذاب الله ، لأن الله وإن أمهلهم لا يهملهم. قوله : (مِنْ أَوْلِياءَ) من زائدة في اسم كان ، والمعنى ليس لهم أنصار من غير الله ، يمنعون عذاب الله عنهم. قوله : (بإضلالهم غيرهم) أشار بذلك إلى جواب سؤال ، وأراد على الآية. وحاصله ، أن المضاعفة مخصوصة بالحسنات ، وأما السيئات فلا تضاعف. قال تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) فأجاب المفسر : بأن معنى المضاعفة الشدة ، لأنهم يعذبون عذابين ، عذابا على ضلالهم في أنفسهم ، وعذابا في إضلالهم غيرهم. قوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أي لم يقبلوه لوجود الحجاب على