كراهتهم له كأنهم لم يستطيعوا ذلك (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (وَضَلَ) غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢١) على الله من دعوى الشريك (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا) سكنوا واطمأنوا أو أنابوا (إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٣) (مَثَلُ) صفة (الْفَرِيقَيْنِ) الكفار والمؤمنون (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) هذا مثل الكافر (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) هذا مثل المؤمن (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) لا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال تتعظون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
____________________________________
قلوبهم. قوله : (ما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي لم يقدروا على ذلك.
قوله : (أُولئِكَ) أي الذين لا يستطيعون السمع ولا الإبصار. قوله : (من دعوى الشريك) بيان لما. قوله : (لا جَرَمَ) اختلف العلماء في معنى لا جرم ، على ثلاثة أوجه ، أولها : أن لا نافية لأماني الكفار ، وجرم فعل ماض بمعنى حق وثبت ، وقوله : (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) الجملة في محل رفع فاعل بجرم ، ويصير المعنى لا عبرة بأمانيهم بل حق ، وثبت خسرانهم في الآخرة ، وهذا الوجه أحسنها. ثانيها : أن لا كذلك ، وجرم بمعنى كسب ، وأن وما دخلت عليه ، في تأويل مصدر مفعوله ، والفاعل ما دل عليه السياق ، والمعنى ما كسب لهم كفرهم وأمنياتهم إلا خسرانهم في الآخرة. ثالثها : أن لا جرم بمعنى لا بد ، أي لا بد أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، فلا نافية للجنس وجرم اسمها مبني معها على الفتح ، وجملة أنهم في محل رفع خبرها إذا علمت ذلك ، فقول المفسر حقا لم يوافق واحدا من هذه الثلاثة ، إلا أن يقال إنه مر على الأول ، ويكون حقا مفعولا مطلقا لفعل محذوف ، والتقدير حق حقا ، وقد وردت هذه اللفظة في القرآن في خمسة مواضع ، ويقال في كل واحد منها ما قيل هنا.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) لما ذكر الله أحوال الكفار ، وما آل إليه أمرهم ، أتبعهم بذكر المؤمنين ، وما آل إليه أمرهم. قوله : (وَأَخْبَتُوا) من الإخبات وهو الخشوع والخضوع ، ويتعدى باللام وإلى ، فإن عدى باللام ، فمعناه خشع وخضع ، وإن عدى بإلى ، فمعناه اطمأن وسكن ، وقد اقتصر المفسر على هذا الثاني. قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) التعبير بأصحاب ، إشارة إلى أن أهل الجنة ، مالكون لمنازلها ملكا لا يحول ولا يزول. قوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) لما ذكر أحوال الكفار ، وما هم عليه من الصمم والعمى عن اتباع الحق ، وذكر أحوال المؤمنين ، وما هم عليه من التبصر وسماع الحق واتباعه ، أتبع ذلك بذكر مثل لكل فريق.
قوله : (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) هذا كناية عن كون الله سلبهم الانتفاع بالحق لسبق شقاوتهم في علم الله ، والمراد من الأعمى والأصم ذات واحدة اتصفت بهذين الوصفين ، فإنه هو الذي لا يقبل الهدى لمقصوده بأي وجه كان ، ومثل ذلك يقال في نظيره ، وهو البصير والسميع. قوله : (مَثَلاً) تمييز محول عن الفاعل ، والأصل هل يستوي مثلهما. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير : أعميتم وتركتم الهدى فلا تذكرون ، فهو خطاب للمشركين الذين كانوا في زمنه صلىاللهعليهوسلم. قوله : (فيه إدغام التاء) إلخ ، أي والأصل تتذكرون ، أبدلت التاء الثانية ذالا ، وأدغمت في الذال ، وفي قراءة سبعية بحذف إحدى التاءين تخفيفا.