نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي) أي بأني وفي قراءة بالكسر على حذف القول (لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٥) بين الإنذار (أَنْ) أي بأن (لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن عبدتم غيره (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٢٦) مؤلم في الدنيا والآخرة (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وهم الأشراف (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) ولا فضل لك علينا (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) أسافلنا كالحاكة والأساكفة (بادِيَ الرَّأْيِ) بالهمز وتركه أي ابتداء من غير تفكر فيك ونصبه على الظرف أي وقت حدوث أول رأيهم (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) فتستحقون به الاتباع منا (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧) في دعوى الرسالة ، أدرجوا قومه معه في الخطاب (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني
____________________________________
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) جرت عادة الله في كتابه العزيز ، أنه إذا أقام الحجج على الكفار ، ووبخهم وضرب لهم الأمثال ، يذكر لهم بعض قصص الأنبياء المتقدمين وأممهم ، لعلهم يهتدون ، وفي هذه السورة سبع قصص ، الأولى : قصة نوح مع قومه ، الثانية : قصة هود مع قومه. الثالثة : قصة صالح مع قومه. الرابعة : قصة إبراهيم مع الملائكة. الخامسة : قصة لوط مع قومه. السادسة : قصة شعيب مع قومه. السابعة : قصة موسى مع فرعون. وذكر هذه القصص على حسب الترتيب الزماني ، وتقدم أن نوحا اسمه عبد الغفار ، ونوح لقبه ، سمي بذلك لكثرة نوحه ، لما ورد أنه رأى كلبا مجذوما فقال له : إخسأ يا قبيح ، فأوحى الله إليه أعبتني أم عبت الكلب ، فكان ذلك عتابا له ، فاستمر ينوح صلىاللهعليهوسلم على نفسه ، فسمي بذلك. قوله : (أي بأني) أشار بذلك إلى أن قراءة الفتح ، على إضمار حرف الجر. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (على حذف القول) أي ومتى وقعت إن بعد القول كسرت. قوله : (مُبِينٌ) أي بيّن الإنذار وواضحه.
قوله : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) هذا في قول التعليل لقوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ). قوله : (أَلِيمٍ) صفة لليوم ، وأسنده له مبالغة على سبيل المجاز العقلي ، وحق الإسناد للعذاب. قوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أعلم أنهم احتجوا عليه بثلاث حجج ، أولها قوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) وآخرها قوله : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) وقد أجابهم عنها إجمالا بقوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) إلخ. وتفصيلا بقوله : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) الخ. قوله : (إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي آدميا مثلنا. قوله : (ولا فضل لك علينا) أي لا مزية لك علينا ، وهذا من فرط جهلهم ، استبعدوا فضل الله على البشر ، وظنوا أن الرسل لا يكونون إلا من الملائكة.
قوله : (أَراذِلُنا) إما جمع الجمع فهو جمع أرذل بضم الذال جمع رذل بسكونها ، ككلب وأكلب وأكالب ، أو جمع المفرد وهو أرذل ، كأكبر وأكابر وأبطح وأباطح. قوله : (كالحاكة) جمع حائك وهو القزاز. قوله : (والأساكفة) جمع إسكاف وهو صانع النعال ، وهذه عادة الله في الأنبياء والأولياء ، أن أول من يتبعهم ضعفاء الناس لذلهم ، فلا يتكبرن عن الإتباع. قوله : (بالهمز وتركه) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (من غير تفكر فيك) أي ولو تفكروا لما اتبعوك. قوله : (مِنْ فَضْلٍ) أي مزية من مال وغيره. قوله : (في الخطاب) أي في قوله : وما نرى لكم بل نظنكم.
قوله : (قالَ يا قَوْمِ) هذا خطاب في غاية التلطف بهم. قوله : (بيان) أي حجة وبرهان. قوله :