(إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) بيان (مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً) نبوة (مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ) خفيت (عَلَيْكُمْ) وفي قراءة بتشديد الميم والبناء للمفعول (أَنُلْزِمُكُمُوها) أنجبركم على قبولها (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨) لا نقدر على ذلك (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على تبليغ الرسالة (مالاً) تعطونيه (إِنْ) ما (أَجرِيَ) ثوابي (إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) كما أمرتموني (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) بالبعث فيجازيهم ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٩) عاقبة أمركم (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي) يمنعني (مِنَ اللهِ) أي عذابه (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) أي لا ناصر لي (أَفَلا) فهلا (تَذَكَّرُونَ) (٣٠) بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال تتعظون (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا) إني (أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) بل أنا بشر مثلكم (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي) تحتقر (أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) قلوبهم (إِنِّي إِذاً) إن قلت ذلك (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١) (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) به من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٣٢) فيه (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ)
____________________________________
(فَعُمِّيَتْ) أي النبوة أي خفيت عليكم. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (والبناء للمفعول) أي والأصل أعماها الله عليكم أي أخفاها ، فأطلق العمى وأريد لازمه وهو الخفاء ، لأن الأعمى عليه الأشياء ، فلا يهتدي ولا يهدي غيره ، قوله : (أنجبركم على قبولها) أي لا قدرة لنا على إلزامكم إياها ، والحال أنكم كارهون لها ، بل الإيمان إنما هو بالرضا والتسليم الباطني ، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة من ربي وأعطاني نبوة من عنده ، فأخفاها عليكم ، أأجبركم على قبولها والإيمان بها ، والحال أنكم كارهون منكرون لها ، لا أستطيع ذلك ، بل لا قدرة لي إلا على البلاغ.
قوله : (إِلَّا عَلَى اللهِ) أي فهو المتكفل لي بالثواب والعطايا. قوله : (كما أمرتموني) أي فقد قالوا لي : امنع واطرد هؤلاء الأسافلة عنك ونحن نتبعك ، فإنا نستحي أن نجلس معهم في مجلسك ، وهذا كما قالت قريش لمحمد صلىاللهعليهوسلم كما في سورة الأنعام ، فنزل ردا عليهم (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية. قوله : (فيجازيهم) أي على ما قدموا من الأعمال الصالحة. قوله : (تَجْهَلُونَ) أي لا تحسنون خطابا. قوله : (أي لا ناصر لي) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أتأمروني بطردهم أفلا تذكرون.
قوله : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) هذا رد لقولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) والمراد بخزائن الله ، مغيباته التي لا يعلمها ولا يطلع عليها إلا هو. قوله : (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) رد لقولهم : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ) إلخ ، والمعنى ما قلت لكم إني أعلم الغيب فأطلع على بواطنكم. قوله : (لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) رد لقولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا). قوله : (تَزْدَرِي) أصله تزتري فقلبت تاء الافتعال دالا.
قوله : (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي توفيقا وهدى. قوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) أي من إيمان وكفر. قوله : (قَدْ جادَلْتَنا) أي شرعت في جدالنا. قوله : (به) قدره إشارة إلى أن عائد الموصول محذوف ، ويصح أن تكون ما مصدرية ، والمعنى بوعدك إيانا. قوله : (فيه) أي في الوعد. قوله : (تعجيله) إشارة