(وَوَحْيِنا) أمرنا (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا بترك إهلاكهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٣٧) (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) جماعة (مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) استهزؤوا به (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨) إذا نجونا وغرقتم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ) موصولة مفعول العلم (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُ) ينزل (عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩) دائم (حَتَّى) غاية للصنع (إِذا جاءَ أَمْرُنا) باهلاكهم (وَفارَ التَّنُّورُ) للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) أي ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما (اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى وهو مفعول وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرهما فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في
____________________________________
تحملني معك ، هكذا قيل ، وقيل إنه لم يحمله معه في السفينة وهو الصحيح ، لأنه لم يثبت في حمله خبر صحيح ، ومكث في صنع السفينة مائتي سنة ، مائة في غرس الأشجار ، ومائة في عملها وهي من خشب الساج. قوله : (بمرأى منا وحفظنا) دفع بذلك ما يقال إن ظاهره مستحيل لاستحالة الأعين ، بمعنى الجارحة المعلومة على الله. فأجيب : بأن أطلق الملزوم وأراد اللازم ، لأنه يلزم من كون الشيء بالأعين ، أنه مبالغ في حفظه.
قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي لا تراجعني في شأنهم ، فإن الهلاك لا بد لهم منه ، قوله : (حكاية حال ماضية) أي فالمضارع بمعنى الماضي. قوله : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) الجملة حالية ، والتقدير يصنع الفلك ، والحال أنه كلما مر الخ استهزؤوا به ، أي فقالوا صرت نجارا بعد أن كنت نبيا ، وكان يعمل السفينة في برية لا ماء فيها ، واستهزاؤهم إما لكونهم لا يعرفون السفينة ولا الانتفاع بها ، أو لكونهم يعرفونها ، غير أنهم تعجبوا من صنعه لها في أرض لا ماء بها. قوله : (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) أي أنتم محل السخرية والاستهزاء ، لأن من كان على أمر باطل فهو أحق بالاستهزاء والسخرية ، ولا حاجة لكون الكلام من باب المشاكلة. قوله : (موصولة) أي وعلم عرفانية تنصب مفعولا واحدا ، ويصح أن تكون استفهامية ، وعلم على بابها من كونها متعدية لاثنين ، ويكون الثاني محذوفا. قوله : (عَذابٌ) أي وهو الغرق. قوله : (غاية للصنع) أي في قوله ويصنع الفلك.
قوله : (وَفارَ التَّنُّورُ) وكان من حجارة ورثه من أمه حواء ، والأشهر أنه كان بالكوفة ، على يمين الداخل مما يلي باب كندة ، والتنور مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون. قوله : (للخباز) أي وهي امرأة نوح ، وكان فورانه وقت طلوع الفجر. قوله : (وكان ذلك) أي فوران التنور وغليانه. قوله : (علامة لنوح) أي على الطوفان ، وكان في ثالث وعشرين من أبيب في شدة القيظ. قوله : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) المراد بالزوجين كل اثنين ، لا يستغني أحدهما عن الآخر ، كالذكر والأنثى وقال لكل منهما زوج ، والمعنى من كل صنف زوجين ذكر وأنثى ، قال الحسن : لم يحمل نوح معه إلا ما يلد أو يبيض ، وأما ما سوى ذلك ما يتولد من الطين كالبق والبعوض ، فلم يحمل منه شيئا ، وروى بعضهم : أن الحية والعقرب أتيا نوحا وقالا : احملنا معك ، فقال : إنكما سبب البلاء أحملكما ، فقالا : احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك ، فمن قرأ حين يخاف مضرتهما : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) ، لم يضر. قوله : (وهو مفعول) أي لفظ