الكافرين (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي) كنعان (مِنْ أَهْلِي) وقد وعدتني بنجاتهم (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) الذي لا خلف فيه (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (٤٥) أعلمهم وأعدلهم (قالَ) تعالى : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الناجين أو من أهل دينك (إِنَّهُ) أي سؤالك إياي سؤالك إياي بنجاته (عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فإنه كافر ولا نجاة للكافرين وفي قراءة بكسر ميم عمل فعل ونصب غير فالضمير لابنه (فَلا تَسْئَلْنِ) بالتشديد والتخفيف (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) من إنجاء ابنك (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٤٦) بسؤالك ما لم تعلم (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) من (أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) ما فرط مني (وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤٧) (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) أنزل من السفينة (بِسَلامٍ) بسلامة أو بتحية (مِنَّا وَبَرَكاتٍ) وخيرات (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ
____________________________________
قوله : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) أي قبل سير السفينة. قوله : (فَقالَ) هذا تفصيل للنداء. قوله : (وقد وعدتني بنجاتهم) أي المدلول عليها بقوله : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) قوله : (الناجين أو من أهل دينك) أشار المفسر إلى أن الكلام ، إما على حذف الصفة ، أو على حذف المضاف ، قوله : (أي سؤالك) أشار بذلك إلى أن الضمير في أنه عائد على نوح على حذف المضاف ، والمعنى قال الله : يا نوح ، إن سؤالك عمل غير صالح أي غير مقبول ، لأن الله لا يقبل الشفاعة إلّا في المسلمين ، فسؤالك خطأ ، وذلك نظير استغفار ابراهيم لأبيه ، وهذا غير قادح في منصب النبوة الأن نوحا كان يظن إسلام ولده ، لأنه كان يظهره ، ومن المعلوم أن الرسل يحكمون بالظاهر ، وقيل إن الضمير عائد على الولد ، ويقال في الإخبار عنه بعمل ما قيل في زيد عدل وهو الراجح. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (ونصب غير) أي على المفعولية لعمل. قوله : (بالتشديد والتخفيف) أي فعلى التخفيف تسكن اللام ، وعلى التشديد تفتح اللام وفي قراءة التخفيف وجهان : حذف الياء وإثباتها ، وفي قراءة التشديد ثلاث : فتح النون مع حذف الياء لا غير ، وكسر النون مع حذف الياء وإثباتها ، وكل هذا في حال الوصل ، وأما عند الوقف فلا تثبت أصلا.
قوله : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي ما لا تعلم أنه صواب أم لا. قوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) هذا العتاب فيه رفق وتلطف ، والمعنى كأن الله يقول له : إن مقامك عظيم ، فشأنك أن لا تسأل ولا تشفع ؛ إلا فيمن يرجى فيه النجاة ، وأما فيمن تجهل قبول الشفاعة فيه ، فلا يليق منك أن تقدم على السؤال فيه. قوله : (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) أي أتحصن بك. قوله : (أَنْ أَسْئَلَكَ) أي بعد ذلك. قوله : (ما فرط مني) أي تقدم وسلف ، وهو الإقدام على سؤال ما ليس به علم ، وهذا لا يقتضي صدور ذنب من نوح ، إذ هو معصوم من الذنوب ، كبيرها وصغيرها ، لأن الله وعد نوحا عليهالسلام ، بأن ينجيه وأهله ، فأخذ نوح بظاهر اللفظ واتبع التأويل ، حيث ظن أن ولده من جملة اهله الناجين ، فلما عاتبه ربه ، رجع على نفسه باللوم والندم مما وقع منه ، وسأله المغفرة والرحمة ، وذلك كما وقع لآدم في الأكل من الشجرة ، وليست هذه ذنوبا ، بل هي من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
قوله : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ) أي سلامة وأمن ، ودخل في هذا السّلام ، وكل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وفيما بعده من المتاع والعذاب ، كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة. قوله : (انزل من السفينة) ورد أنه لما نزل منها ، أراد أن يبعث من يأتيه بخبر الأرض ، فقال له الدجاج أنا ، فأخذوه وختم