يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة (لِيُثْبِتُوكَ) يوثقوك ويحسبوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ) كلهم قتلة رجل واحد (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة (وَيَمْكُرُونَ) بك (وَيَمْكُرُ اللهُ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) أعلمهم به (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) قاله النضر بن الحرث لأنه كان يا أتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة (إِنْ) ما (هذا) القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ) أكاذيب (الْأَوَّلِينَ) (٣١) (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي يقرؤه محمد (هُوَ الْحَقَ) المنزل (مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) مؤلم على إنكاره قاله النضر وغيره استهزاء وإيهاما أنه على بصيرة وجزم ببطلانه قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ
____________________________________
رؤوسكم ، فما من رجل منهم أصابه ذلك التراب ، إلا قتل يوم بدر كافرا. قوله : (بدار الندوة) أي بالدار التي يقع فيها الحديث والاجتماع ، وهي أول دار بنيت بمكة ، فلما حج معاوية ، اشتراها من الزبير العبدري بمائة الف درهم ، ثم صارت كلها بالمسجد الحرام ، وهي في جانبه الشمالي. قوله : (لِيُثْبِتُوكَ) هذا إشارة لرأي أبي البحتري.
قوله : (أَوْ يَقْتُلُوكَ) أي شبان القبائل كلهم قتلة رجل واحد ، وهو إشارة لرأي أبي جهل. قوله : (أَوْ يُخْرِجُوكَ) هو إشارة لرأي هشام بن عمرو. قوله : (وَيَمْكُرُونَ) (بك) أي يحتالون ويتدبرون في أمرك. قوله : (بتدبير أمرك) جواب عما يقال : إن حقيقة المكر محالة على الله تعالى ، لأنه الاحتيال على الشيء من أجل حصول العجز عنه ، وأجيب أيضا : بأن المراد يمكر الله ، معاملته لهم معاملة الماكر ، حيث خيب سعيهم وضيع أملهم ، أو المراد جازاهم على مكرهم ، فسمى الجزاء مكرا لأنه في مقابلته. قوله : (أعلمهم به) دفع بذلك ما يقال : إن المكر لا خير فيه ، وأجيب أيضا : بأن اسم التفضيل ليس على بابه.
قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) هذا من جملة قبائح أهل مكة. قوله : (مِثْلَ هذا) تنازعه كل من سمعنا وقلنا. قوله : (الحيرة) بلدة بقرب الكوفة. قوله : (اخبار الأعاجم) أي كالفرس والروم قوله : (إِلَّا أَساطِيرُ) جمع اسطورة ، كأكاذيب جمع أكذوبة وزنا ومعنى ، وقد رد الله عليهم تلك المقالة بقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) ، وقال أيضا (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ،) فعجزوا عن ذلك وقال البوصيري :
سور منه أشبهت صورا |
|
منا ومثل النظائر النظراء |
قوله : (وَإِذْ قالُوا) هذا من جملة قبائحهم الشنيعة. قوله : (هُوَ الْحَقَ) القراء السبعة على نصب الحق خبرا لكان ، وهو ضمير فصل لا محل له من الإعراب ، وقرىء شذوذا برفعه على أنه خبر للضمير ، والجملة خبر لكان. قوله : (مِنْ عِنْدِكَ) حال من الحق. قوله : (حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) أي من سجيل مسومة كما أرسلتها على اصحاب الفيل. قوله : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي كالصيحة والخسف. قوله : (قاله النضر) أي ابن الحرث ، وقوله : (وغيره) أي وهو أبو الجهل ، ولا مانع من أن كلا قال ذلك. قوله : (استهزاء) أي سخرية به صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وإيهاما أنه على بصيرة) أي لأن اصعب الأيمان الدعاء على النفس.