(فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا) غير (ما شاءَ رَبُّكَ) كما تقدم ودل عليه فيهم قوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨) مقطوع وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر وهو خال
____________________________________
بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فلا تخلف لمشيئة الله بخلود الكافر ، لأنه متى أراد شيئا حصل ولا بد ، وما قيل إن وعيده قد يتخلف ، فالمراد وعيد العاصي لا وعيد الكافر. قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) هذا مقابل قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) وفي هذه الآية من المحسنات البديعية ، الجمع والتفريق والتقسيم ، فالجمع في قوله : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) والتفريق في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، والتقسيم في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) إلخ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) إلخ. قوله : (بفتح السين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالفتح من قولهم : سعد الرجل بمعنى قامت به السعادة ، والضم في قولهم : سعده الله أي أسعده ، فالأول قاصر ، والثاني متعد ، والمعنى : إن الذين سبقت لهم السعادة من الله بموتهم على الإيمان ، وإن سبق منهم الكفر في الدنيا ، فهم في الجنة ، والمراد بالسعادة رضا الله على العبد ، وعلامة ذلك أن يكون العبد محبا لربه ، ساعيا في مرضاته ، دائم الإقبال على طاعته ، راضيا بأحكامه.
قوله : (فَفِي الْجَنَّةِ) المراد بها دار النعيم بجميع دورها ، فشمل جنة الفردوس وغيرها. قوله : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي مدة دوامهما في الدنيا ، والمعنى قدر مكث السماوات والأرض ، من أول الدنيا إلى آخرها. قوله : (كما تقدم) أي فيقال غير ما شاء ربك من الزيادة التي لا منتهى لها ، فالمعنى خالدين فيها أبدا ، ويدل ذلك على قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) فالزيادة التي شاءها الله ، فسرت في آيات أخر بالخلود المؤبد ، قوله : (ودلّ عليه) أي على الخلود المؤبد ، وقوله : (فيهم) أي السعداء.
قوله : (عَطاءً) مفعول مطلق لفعل محذوف وتقديره أعطاهم ذلك العطاء ، وعطاء اسم مصدر أعطى ، والمصدر إعطاء. قوله : (مقطوع) أي ولا ممنوع ، بل هو عطاء دائم ، لا يزول ولا يحول. قوله : (هو الذي ظهر) أي من نحو عشرين وجها في تفسير تلك الآية ، منها أن المراد بالسماوات والأرض سقف الجنة والنار وأرضهما ، ويحتمل الاستثناء في جانب أهل الشقاوة على عصاة الأمة فيكون المعنى خالدين فيها أبدا ، إلا عصاة المؤمنين الذين نفذ فيهم الوعيد ، فلا يخلدون أبدا ، بل يخرجون بشفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم ، والاستثناء حينئذ ، إما منقطع لعدم دخول هؤلاء في الأشقياء ، أو متصل بجعل هؤلاء أشقياء باعتبار ، وسعداء باعتبار آخر ، وفي جانب أهل السعادة على عصاة المؤمنين أيضا ، لكن باعتبار تعذيبهم أولا ، فيتأخرون في الدخول مع السابقين ، فتحصل أن الاستثناء في كل محمول على العصاة ، لكن في جانب أهل الشقاوة مستثنون من الخلود ، وفي جانب أهل السعادة مستثنون من المبدأ. كأنه قال : فأما الذين سعدوا ففي الجنة من أول الأمر ، إلا ما شاء ربك من العصاة ، فليسوا في الجنة من أول الأمر ، بل هم في النار يعذبون ثم يخرجون. ومنها : أن المراد بالذين شقوا الكفار ، وبالذين سعدوا المؤمنون ، والاستثناء باعتبار أن بعض الكفار ، قد ينقل من النار إلى غيرها كالزمهرير ، وبعض المؤمنين قد ينقل من النعيم ، فيما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، إلى أعلى منه ، وهو رؤية وجه الله الكريم ومخاطبته ، ومنها : أن الاستثناء راجع لمدة تأخرهم عن دخول الجنة والنار ، كمدة الدنيا والبرزخ ، لأنهم لم يدخلوها حين خلقوا سعداء وأشقياء. ومنها غير ذلك. وما تقدم من أن نعيم الجنان وعذاب النار دائم ، هو ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها ، والأخذ بظاهرها كفر ، فمنها ما قيل إن الجنة والنار ينقضيان بدليل ظاهر