أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا) بإيحائنا (إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ) مخففة أي وإنه (كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (٣) اذكر (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) يعقوب (يا أَبَتِ) بالكسر دلالة على ياء الإضافة المحذوفة والفتح دلالة على ألف محذوفة قلبت عن الياء (إِنِّي رَأَيْتُ) في المنام (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً
____________________________________
والمراد أن تراكيبه وأساليبه عربية ، وإن ورد فيه غير عربي ، فهو على أسلوب العرب ، وعلى أسلوب غيرهم ، وإنما كان عربيا ، لأن تلك اللغة أفصح اللغات ، ولأنها لغة أهل الجنة في الجنة. قوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) علة لكونه عربيا ، والمعنى لكي تفهموا معانيه وتتأملوا فيها ، فتعلموا أنه من عند الله.
قوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) صفة لمصدر محذوف مفعول مطلق ، والتقدير قصصا أحسن القصص ، والقصص في اللغة من قص الأثر تتبعه ، سمي الكلام الذي يحكي عن الغير بذلك ، لأن المتكلم يقص الخبر شيئا فشيئا ، والمعنى نحن نبين لك أخبار الأمم السابقة أحسن البيان ، وقيل المراد خصوص قصة يوسف ، وإنما كانت أحسن القصص ، لما فيها من الحكم والنكت ، وسير الملوك والمماليك والعلماء ، ومكر النساء والصبر على الأذى ، والتجاوز عنه أحسن التجاوز ، وغير ذلك من المحاسن. قوله : (بإحيائنا) الباء سببية ، وأشار بذلك إلى أن ما مصدرية ، والجار والمجرور متعلق بنقص. قوله : (هذَا الْقُرْآنَ) اسم الإشارة مفعول لأوحينا ، والقرآن بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان أو نعت. قوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ) الجملة حالية. قوله : (لَمِنَ الْغافِلِينَ) أي لم تخطر ببالك تلك القصة ولم تسمعها قط ، بل كنت خالي الذهن منها ، وهذا من معجزاته صلىاللهعليهوسلم ، حيث يخبر عن المتقدمين والمتأخرين ، بأحسن تعبير وأبلغ وجه ، ولذا قال البوصيري :
كفاك بالعلم في الأميء معجزة |
|
في الجاهلية والتأديب في اليتم |
فأكبر دليل على فضل الإنسان ، غزارة علمه وسعة اطلاعه ، على ما أعطاه الله من العلوم اللدنية والمعارف الربانية. قوله : (اذكر) قدره إشارة إلى أن (إِذْ) ظرف لمحذوف ، وقيل معمول لقوله تعالى : (يا بنيّ) وهو الأولى لما فيه من عدم الحذف. قوله : (يُوسُفُ) اسم عبراني ممنوع من الصرف ، وعاش من العمر مائة وعشرين سنة ، وعاش أبوه مائة وسبعا وأربعين سنة ، وعاش جده إسحاق مائة وثمانين سنة ، وعاش جده إبراهيم مائة وخمسا وسبعين سنة. قوله : (بالكسر) أي وأصلها يا أبي ، حذفت الياء وعوض عنها تاء التأنيث ، ونقلت كسرة ما قبلها لها ، وفتحت الياء لمناسبة تاء التأنيث ، وتقول في إعرابها : يا حرف نداء ، وأبت منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، المعوض عنها تاء التأنيث. قوله : (والفتح) أي وأصلها أبي ، بكسر الباء وفتح الياء ، ففتحت الباء ثم تحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ، قلبت ألفا ، حذفت الألف وعوض عنها تاء التأنيث ، وفتحت للدلالة على الألف المحذوفة ، وتعويض تاء التأنيث عن ياء المتكلم مختص بلفظين : أبت وأمت ، وهذان الوجهان زائدان على أوجه المنادى المضاف لياء المتكلم وهي خمس ، جمعها ابن مالك في قوله :
واجعل منادى صح إن يضف ليا |
|
كعبد عبدي عبد عبدا عبديا |
فيكون في أبت وأمت سبعة أوجه ، يجوز منها وجهان قراءة لا غير. قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ) هذه الرؤية كانت ليلة الجمعة ليلة القدر ، وكان سنه إذ ذاك اثنتي عشرة ، وقيل سبع سنين ، وقيل سبع عشرة سنة ،