وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ) تأكيد (لِي ساجِدِينَ) (٤) جمع بالياء والنون للوصف بالسجود الذي هو من صفات العقلاء (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) يحتالوا في هلاكك حسدا لعلمهم بتأويلها من أنهم الكواكب والشمس أمك والقمر أبوك (إِنَّ الشَّيْطانَ
____________________________________
وبين هذه الرؤية واجتماعه بأبيه وإخوته في مصر أربعون سنة ، وقيل ثمانون ، وقيل اثنتان وعشرون ، وقيل ثمانية عشر ، وسيأتي تحقيق ذلك ، والمراد بالسجود هنا ، قيل الخضوع والانحناء ، وقيل حقيقة السجود.
قوله : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) أي وهو : جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والصروخ والفرع ووثاب وذو الكتفين ، قد رأى الجميع نزلن من السماء وسجدن له ، وجريان بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد الياء التحتية ، وقابس بقاف وموحدة وعين مهملة ، وعمودان تثنية عمود ، والفليق بفاء آخره قاف ، والمصبح اسم مفعول ، والفرع بفاء وراء مهملة ساكنة وعين مهملة ، ووثاب بتشديد المثلثة ، وذو الكتفين تثنية كتف. قوله : (تأكيد) أي هذه الجملة تأكيد للجملة الأولى ، ويصح أن يكون قوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي) جوابا لسؤال مقدر نشأ من قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) كأن قائلا قال : وما كيفية رؤياك فيهم؟ فقال : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). قوله : (جمع بالياء والنون) أي قوله : (ساجِدِينَ).
قوله : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) إنما نهاه أبوه عن ذلك لأنه فهم من رؤياه أن الله تعالى يصطفيه لرسالته ويفوق إخوانه فخاف عليه حسدهم ، ويؤخذ من ذلك ، أن الإنسان إذا رأى خيرا في منامه ، فلا يخبر به إلا حبيبا أو لبيبا غير حسود ، لما قيل : إن الرؤيا على رجل طائر متى قصت وقعت ، بخلاف رؤيا المكروه ، فلا يقصها ، لما في الحديث : «إذا رأى أحدكم ما يحب ، فلا يحدث بها إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره ، فليتفل عن يساره ثلاثا ، وليتعوذ بالله من الشيطان وشرها ، فإنها لن تضره». قوله : (والشمس أمك والقمر أبوك) حكمة تأويل أمه بالشمس ، لأنها يظهر منها الأقمار وهم الأنبياء ، وأبيه بالقمر ، لأن القمر يهتدى به في الظلم ، فكذلك الرسل يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشرك ، والإخوة بالكواكب ، لأن نورهم لا يبلغ نور أبيهم ، إما لأنهم أنبياء فقط وليسوا برسل ، أو أولياء فقط وليسوا بأنبياء ، وما مشى عليه المفسر ، من أن المراد بالشمس أمه أحد قولين ، وقيل إن أمه راحيل قد ماتت ، والمراد بالشمس خالته ليا.
قوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي فيوقع الإنسان في المعاصي لفرط عداوته له. واعلم أن ما وقع من إخوة يوسف معه مما يأتي في القصة ، باق على ظاهره ، ولا تأويل فيه على القول بعدم نبوتهم ، لأن الولي تجوز عليه المعصية ، ولكن لا يصر عليها بل يتوب ، وهؤلاء آل أمرهم لحسن التوبة ، وأما على القول بنبوتهم ، فهو مشكل غاية الإشكال ، إذ كيف يقع ذلك من الأنبياء؟ فأجاب العلماء على ذلك ، بأن هذا مبني على أن النبي معصوم بعد النبوة لا قبلها ، أو كانوا لم يبلغوا الحلم ، وكل هذا ليس بسديد ، بل الحق أن النبي معصوم ظاهرا وباطنا ، قبل النبوة وبعدها ، وإنما الواجب الذي يشفي الغليل ويريح العليل أن يقال : إن الله أطلعهم على أن يوسف يعطي النبوة والملك بمصر ، ولا يتصور ذلك إلا بهذا الفعل ، فهم مأمورون به باطنا مخالفون ظاهرا ، إذ ليسوا مشرعين ، فلا يكلمون إلا بخلوص