(فَتَفْشَلُوا) تجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) قوتكم ودولتكم (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤٦) بالنصر والعون (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ليمنعوا عيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) حيث قالوا لا نرجع حتى نشرب الخمور وننحر الجزور وتضرب علينا القيان ببدر فيتسامع بذلك الناس (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ) بالياء والتاء (مُحِيطٌ) (٤٧) علما فيجازيهم به (وَ) اذكر (إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) إبليس (أَعْمالَهُمْ) بأن شجعهم على لقاء المسلمين لما خافوا الخروج من أعدائهم بني بكر (وَقالَ) لهم (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) من كنانة وكان أتاهم في صورة سراقة بن مالك سيد تلك الناحية (فَلَمَّا تَراءَتِ) التقت (الْفِئَتانِ) المسلمة والكافرة ورأى الملائكة وكان يده في يد الحرث بن هشام (نَكَصَ) رجع (عَلى عَقِبَيْهِ) هاربا (وَقالَ) لما قالوا له أتخذ لنا على هذا الحال (إِنِّي بَرِيءٌ
____________________________________
قوله : (تجبنوا) أي عن الحرب. قوله : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) عطف مسبب على سبب أيضا ، وهذا على الترتيب ، فالاختلاف ينشأ عنه الجبن ، والجبن ينشأ عنه ذهاب الريح. قوله : (قوتكم) أي ويطلق على الغلبة والرحمة والنصرة. قوله : (ودولتكم) الدولة في الحرب بفتح الدال وجمعها دول بكسر الدال ، وأما دولة المال فبضم الدال وجمعها دول بضم الدال. قوله : (وَاصْبِرُوا) أي على قتالهم.
قوله : (كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي وهم أبو جهل ومن ذلك أنهم لما بلغوا الجحفة ، وافاهم رسول الله أبي سفيان وقال لهم : ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فقال أبو جهل : لا والله حتى نقدم بدرا ، ونشرب الخمر ، وننحر الجزور ، وتضرب علينا القيان ، فيتسامع بذلك الناس ويهابوننا. قوله : (ليمنعوا عيرهم) أي ليمنعوا المسلمين عن قافلتهم التي كانت مع أبي سفيان. قوله : (ولم يرجعوا بعد نجاتها) قدره المفسر إشارة إلا أن (بَطَراً) وما عطف عليه علة لمحذوف لا ، لقوله : (خَرَجُوا) لأن خروجهم ليس للبطر ، بل لمنع الناس عن العير ، والبطر علة لعدم رجوعهم بعد نجاحها. قوله : (بَطَراً) هو وما بعده مفعول لأجله ، والبطر كفران النعمة وعدم شكرها. قوله : (القيان) جمع قينة ، وهي الجارية المغنية. قال ابن مالك : فعل وفعله قيام لهما. قوله : (فيتسامع بذلك الناس) أي القبائل فيها بوننا ، وقد بدلهم الله شرب الخمور بشرب كأس الموت ، وضرب القيان بنوح النائحات ، ونحر الجزور بنحر رقابهم.
قوله : (وَيَصُدُّونَ) عطف على بطرا ، فهو في قوة المصدر أي وصدا ، قال ابن مالك : واعطف على اسم شبه فعلى فعلا. قوله : (بالياء والتاء) ظاهره أنهما سبعيتان وليس كذلك ، بل التاء الفوقية لم يقرأ بها السبعة ولا العشرة ، فذكرها سبق قلم. قوله : (وَإِذْ زَيَّنَ) عطف على (وَلا تَكُونُوا) عطف قصة على قصة (وَإِذْ) ظرف معمول لمحذوف قدره بقوله : (اذكر). قوله : (لما خافوا الخروج) أي لما خافوا من أعدائهم حين الخروج من مكة لقتالهم. قوله : (بني بكر) أي وهم قبيلة كنانة ، وكانت قريبة من قريش ، وبينهم الحروب الكثيرة.
قوله : (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي مجير ومعين. قوله : (وكان أتاهم) إلخ ، قال ابن عباس : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه راية في صورة رجل من رجال بني مدلج سراقة بن مالك ، فقال المشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس. قوله : (ورأى الملائكة) أي نازلين من السماء. قوله : (أتخذلنا)