(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ) بسط (الْأَرْضَ وَجَعَلَ) خلق (فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) من كل نوع (يُغْشِي) يغطي (اللَّيْلَ) بظلمته (النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) دلالات على وحدانيته تعالى (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) في صنع الله (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) بقاع مختلفة (مُتَجاوِراتٌ) متلاصقات فمنها طيب وسبخ وقليل الريع وكثيره هو من دلائل قدرته تعالى (وَجَنَّاتٌ) بساتين (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) بالرفع عطفا على جنات والجر على أعناب وكذا قوله (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) جمع صنو وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) منفردة (يُسْقى) بالتاء أي الجنات وما فيها والياء أي المذكور (بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ) بالنون والياء (بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) بضم الكاف وسكونها فمن حلو
____________________________________
فهو قادر على إحياء الإنسان بعد موته. قوله : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) شروع في ذكر أدلة من العالم السفلي. قوله : (بسط) (الْأَرْضَ) أي طولا وعرضا ليرتاح الحيوان عليها. قوله : (ثوابت) أي لتمسكها عن الاضطراب بأهلها ، وفي الحديث : «أول بقعة وضعت من الأرض موضع البيت ، ثم مدت منها الأرض ، وأول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس ، ثم مدت منه الجبال».
قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) متعلق بجعل ، ومفعولها الثاني محذوف تقديره لكم. قوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) بيان لأقل مراتب العدد ، وإلا فقد يكون أكثر من نوعين كما هو بالمشاهدة ، والمراد بالثمر ما يشمل الحب ، وتعداد الأصناف المذكورة ، إما باعتبار الألوان كالبياض والسواد ، والطعوم كالحلاوة والملوحة والحموضة والمزوزة ، أو القدر كالكبر والصغر ، أو الكيفية كالحرارة والبرودة والنعومة والخشونة وغير ذلك. قوله : (يغطي) (اللَّيْلَ) (بظلمته) (النَّهارَ) أي ويزيل ظلمة الليل بضياء النهار ، فيعدم كلا بوجود الآخر ، ففي الآية اكتفاء.
قوله : (يَتَفَكَّرُونَ) أي يتأملون ، فيستدلون بتلك الصنعة على وجود صانعها ، ويعرفون لها صانعا حكيما قادرا متصفا بالكمالات ، وخص المتفكرون بالذكر ، لأنهم هم الذين يحصل لهم الاعتبار والإيمان. قوله : (طيب) أي ينبت ، وقوله : (وسبخ) أي لا ينبت شيئا. قوله : (وهو) أي هذا الاختلاف. قوله : (بالرفع) أي له وللثلاثة بعده ، وقوله : (والجر) أي كذلك ، فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وهي النخلات) أي الصنوان. قوله : (بالتاء) أي وحينئذ فيقرأ نفضل بالنون والياء ، وقوله : (والياء) أي وحينئذ فيقرأ نفضل بالنون لا غير ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية ، خلافا لما يوهمه المفسر من أنها أربع.
قوله : (فِي الْأُكُلِ) أي وغيره ، كاللون والرائحة والقدر والحلاوة والحموضة وغير ذلك ، وهذا كمثل بني آدم ، منهم الصالح الهين اللين ، والخبيث الغليظ الطبع ، خلقوا من آدم ، وفضل الله من شاء على من شاء ، ولذا قال الحسن : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم ، كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن فسطحها ، فصارت قطعا متجاورات ، وأنزل على وجهها ماء السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرتها ، وتخرج هذه نباتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكل يسقى بماء ، كذلك الناس من خلقوا من